شكراً عمر فاروق عبد المطلب!

نهلة الشهال
أتاحت محاولة عمر فاروق عبد المطلب تفجير طائرة متجهة إلى مدينة أميركية، إحلال اليمن على خريطة العالم! كأن اليمن لا «يوجد» إلا بمقدار ما يخص، ما يمس، الولايات المتحدة. فالمدعو عبد المطلب تدرب على فعلته المريعة في اليمن، وهي تستحضر فعلة سبقتها وطبعت وجدان الأميركيين والعالم، ومثلت منعطفاً، أي الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)… هل يسبب إقرار ذلك حزناً عميقاً لليمنيين؟ و«ذلك» يرجع ليس إلى الحوادث المفجعة التي يجدون أنفسهم مرتبطين بها، بل إلى اكتشفاهم أن بؤسهم المشهود، ومشكلات بلادهم المستعصية، لم تُر، لم تُدرك، ولم تَدفع إلى التفحص والتباحث في حلول، إلا حين تعلقت بأمن الولايات المتحدة، على ما قالت وزيرة خارجيتها في افتتاح الاجتماع الوزاري الدولي المخصص لليمن الأربعاء الفائت في لندن.
لم يدم الاجتماع إلا ساعتين، خصصتا لوضع أسس الاهتمام الدولي المستجد باليمن، على أن يُعقد اجتماع آخر، أكثر أهمية وتحضيراً، في الرياض بعد شهر. وخلال الشهر هذا، ستظهر الاختلافات في وجهات النظر بصدد الموضوع. سيتعين تحديد المقصود بـ «المسؤولية المتقاسمة» على ما قال مسؤول أميركي قبل وصول السيدة كلينتون إلى الاجتماع، والمقصود بـ «مزيد من الشفافية والحاكمية والتحكم» على ما زاد. أو، وكما قال بيان الخارجية البريطانية المضيفة للاجتماع، «تعزيز التطوير الاجتماعي والاقتصادي» لليمن، التي، صحيح أنها وردت بعد أهداف «تحسين الأمن والقضاء على القاعدة»، ولكنها وردت مع ذلك! يعني أن هيئة «أصدقاء اليمن» المنشأة عقب الاجتماع اللندني كإطار دولي لمتابعة الملف، تقترح مساعدات مشروطة.
سيصاب حتماً بخيبة أمل كل أولئك المسؤولين في اليمن الذين اعتادوا على إدارة الأمور بمزيج من القمع والفساد، ما أوصل البلاد إلى الوضعية البائسة الراهنة. سيخشون على «حكمهم» كما تعودوا على إدارته، وسيضجرهم كثيراً ألا يكتفي العالم بدعمهم، سياسياً ومعنوياً، وبإغداق الأموال عليهم. سيذكِّرون المانحين بأن مؤتمراً سابقاً في لندن بالذات، عام 2006، كان قد أقر لهم بخمسة بلايين دولار مساعدات، لم تصل كلها إليهم. سيحاجّون بأن ذلك النقص سبب بلاء بلادهم الراهن. وسيهب إلى نجدتهم وطمأنتهم نظراؤهم في أفغانستان، الذين عقدوا مؤتمرهم الدولي في اليوم التالي. فحميد كارزاي أعلن رئيساً «نهائياً» إثر أطول مدة انتخابات في العالم، استمرت من الصيف الفائت حتى الخريف، واتسمت بتزوير مكثف ومقرّ به. وهو عاجز حتى الآن عن تشكيل حكومة مكتملة. كارزاي، الذي كانت وسائل الإعلام الدولية المهيمنة تتغنى بكاريزميته بل وأناقته، انحطت شعبيته في نظر الغربيين، مسؤولين وجمهوراً، فانتقلت من النقيض إلى النقيض، وبات يُعنَّف علناً ويُطالب بنتائج. ولكنه رغم كل شيء، بقي رئيساً، واستمع إليه العالم من خلال هذا المؤتمر يدافع عن فكرة «المصالحة الوطنية» مع طالبان، كمخرج من مأزق أفغانستان. ورغم كل شيء، تُنتظر منه «خطط واضحة»، على ما قيل له وعنه، تُحسن توظيف الـ30 ألف جندي إضافي الذين وافق الرئيس أوباما على إرسالهم إلى أفغانستان، في سياق خطته المعلنة بخصوص هذا البلد، مطلع كانون الأول (ديسمبر) الفائت (متجاوزين هنا الخوض في مفاعيل ومعاني هذا القرار الحربي لأوباما).
وسيهب إلى نجدتهم وطمأنتهم نظراؤهم العراقيون الذين باتوا مثالا يعتد به في شأن الكثير مما هو مطروح، وبالتحديد هنا فكرة «المصالحة الوطنية». ففي العراق، المبتلي بعنف تجاوز عنف اليمن وأفغانستان، وبفساد معمم، يصاحب فشلا مريعاً في بلد غني بالموارد، اختبر الاحتلال الأميركي تلك الفكرة، واستند إلى ما يعتبره نجاحاتها في الاتجاه نحو تقليص وجوده العلني ووضع خطط انسحابه. وبالاستدلال، لم تعد الإدارة الأميركية تنظر إلى فكرة «شراء» تسوية بالمناصب وبالمال، مع «بعض» طالبان على الأقل، ومع رؤساء العشائر الذين يحتضنوهم، كهرطقة، ولا يهمها أن يقال بأن المقترح يعبر عن فشل فعلي في القضاء عليهم، بعد ثماني سنوات من طردهم بالقوة الاحتلالية من السلطة في كابول، وبعد كل ذلك الدمار.
فالغرب تحركه الاعتبارات البراغماتية، وليس سواها. وهكذا نشهد المبررات الواقعية تتوالى الواحدة إثر الأخرى، بجدية تعادل جدية نقائضها منذ زمن ليس ببعيد، وإن كانت لا تقل عنها جزئية واختصاراً في النظر: الطالبان= البشتون = حقيقة اجتماعية راسخة في المشهد الأفغاني ولا يمكن محوها بضربة قلم ولا بضربة عسكرية. يا للحكمة! وماذا عن المكون الإيديولوجي، عن «الإمارة الإسلامية» رغم أنها قد لا تعني – إذا ما تابعنا المنطق البراغماتي إلى النهاية – سوى وسيلة للعودة إلى الحكم دون تقاسم له مع رئيس ضعيف، ومنبوذ إلى حد بعيد، ودون تساهل مع حلف شمال الأطلسي بزعامة واشنطن، المتورط في وضعية غير قابلة للحسم كما يعرف الجميع؟.
وهكذا قال الطالبان «لا» للمقترح، واستعادوا شروطهم المتمسكة برحيل القوات الأجنبية قبل أي تسوية داخلية. فهل هي مجرد مساومة لرفع الأسعار؟ وهل رفع أسماء بعضهم عن اللوائح السوداء العائدة لقرار متخذ في مجلس الأمن سيسهل المهمة؟ وهل «سيقنعهم» بالجنوح إلى السلم عمل عسكري أطلسي ناجح يجري الإعداد له، على ما يقال بصريح العبارة؟ ثم، هل يمكن حقاً الاعتداد بالمثال العراقي، وماذا عنه؟. أسئلة مفيدة جداً، واستباقاً، لتقرير ما ينفع ولا ينفع اليمن.
فحلقات أفغانستان والعراق واليمن تتداخل أكثر فأكثر لتفصح عما يقدَّم كـ «عقيدة دولية» مرشحة لتعْقب إستراتيجية «الحرب الشاملة والدائمة على الإرهاب»، التي بلورها واختص بها المحافظون الجدد والرئيس بوش. وهي عقيدة تريد أن تتميز لتناولها الجوانب الاجتماعية والاقتصادية من حياة تلك المجتمعات، وتركيزها على الفساد وسوء الحاكمية كأسباب أساس، بدلا من النظرة الكلّانية والجوهرية، شبه المقدسة، التي طبعت سابقتها. كما تفترض أنه سيميزها إحجام عن اقتحام العالم، عبّر عنه وزير الخارجية اليمني إذ قال إنه لا يمكن القبول بقواعد عسكرية أميركية في اليمن، متلافياً، في المقابل، الإجابة عن سؤال حول التعاون العسكري الفعلي القائم. واستطراداً، فهي إذاً نصف حلول، أو نصف عقيدة جديدة، كما يقول من يتفحصها. وهي، لكونها نصف كل ذلك تبدو غاية في الهشاشة، بينما العالم الواقعي في غاية القسوة.
هل ما زال من الممكن اعفاء اليمن من إكمال التجربة المريرة؟ وعوض ذلك، تفحص تراكم التجارب حقاً للخلاص إلى استنتاجات مختلفة، لا تحركها المثالية، بل تستدعيها البراغماتية نفسها!؟.
الحياة