خمس كاتبات عربيات بين حدَّي الرقابة والمجتمع البطريركي
زهرة مروّة
ليس جديداً القول إن الكاتب العربي لا يزال يعاني من مشكلة الرقابة، فمعظم الكتب التي تتطرق الى الثالوث المحرم: الجنس، الدين، السياسة، تطاولها يد الرقيب كليا أو جزئيا. فما بالنا بالروائيات اللواتي يعانين، فضلا عن سيف الرقابة، مشكلات مع العائلة ومع محيطهن ومع المجتمع العربي البطريركي بامتياز. توجهنا بالسؤال الآتي الى خمس روائيات عربيات: هل واجهتِ مشكلات جراء كتاباتك الحميمة والجريئة؟ وكيف تغلبت عليها؟
نوال السعداوي
الكاتبة المصريّة نوال السعداوي أخبرتنا أن المشكلات تلاحقها منذ أن أمسكت القلم وهي في الثالثة عشرة من عمرها، وذلك لأنها عبرت عن رأيها في قضايا تشمل السياسة والجنس والدين وغيرها من المحظورات والمحرمات في حياتنا الخاصة والعامة. تقول: “في المدرسة الثانوية عام 1944 أعطاني المدرّس صفرا على قصة كتبتها بعنوان “مذكرات طفلة اسمها سعاد”، ولولا تشجيع أمي وأبي لتوقفت عن الكتابة بسبب هذا المدرّس”. تعترف بأنه لم تُنشر لها قصة أو رواية أو مقال أو مسرحية منذ 1956 (بعد تخرجها من كلية الطب) حتى اليوم من دون أن تحذف الرقابة جزءا منها أو يصادَر الكتاب بأكمله أو فصول كثيرة منه، وخصوصاً تلك الأجزاء التي تتعرض لمجالات الجنس والسياسة والدين، وتربط السعداوي ذلك كله بالنظام الطبقي الأبوي الديني الذي يحكم العالم شرقا وغربا. وتضيف: “روايتي الأولى الصادرة فى عام 1957 بعنوان “مذكرات طبيبة” تمّ حذف الكثير من أجزائها عند النشر، كذلك تمت مصادرة كتابي العلمي الأول الصادر في مصر عام 1958 تحت عنوان “المرأة والجنس”، قبل نشره فى بيروت، واستمرت عمليات الحذف والمصادرة لغالبية أعمالي الأدبية والفكرية حتى عام 2007 حين حرق الناشر مدبولى في القاهرة مسرحيتي “الاله يقدم استقالته في اجتماع القمة”، بعدما وزعت في الأسواق، بناء على تعليمات البوليس، وهى مسرحية تتعرض للمحرمات الثلاثة الأساسية: “الدين والجنس والسياسة”. لم يقتصر الأمر فقط على الحذف والمصادرة عند السعداوي، فقد أرسلت مؤسسة الأزهر في مصر مذكرة الى النائب العام تتهمها بالخروج على الدين، ورفعت قضية ضدها في المحكمة لسحب الجنسية المصرية منها في منتصف عام 2007، وكانت رُفعت قبل ذلك قضايا عدة ضدّها في المحاكم، “منها قضية في عام 2001 طلبت التفريق بيني وبين زوجي بالقوة بسبب كتاباتي، تتهمني بالكفر والزندقة، والتحريض على الرذيلة والاباحية، والكتابة للغرب وغيرها من الاتهامات الكاذبة، كل ذلك لأنني ربطت بين القهر السياسي والطبقي والجنسي والديني، وعارضت السلطات الحاكمة داخل الوطن وخارجه، وعارضت عمليات الختان الجسدي للبنات والأولاد، والختان العقلي للنساء والرجال، والازدواجية في القيم والقوانين، والفساد الأخلاقي تحت اسم الأخلاق، وتعدد الزوجات وغيرها من القوانين غير العادلة المباحة تحت اسم الشرع، وجرائم الشرف التي تُقتَل فيها البنات الصغيرات وهن بريئات، ويعاقَب الطفل البريء بسبب جرائم الأب، البريء دوماً، لمجرد أنه وُلِد ذكراً”.
علوية صبح
أما الروائية اللبنانية علوية صبح فلم تدع يوماً المشكلات على المستوى العائلي أو الشخصي، تؤثّر عليها أو تعوق عملها الفني. تقول: “لا يهمني هذا الأمر. ما يهمني فقط هو قدرتي على التعبير بحرية وهذا ما أسعى إليه دوما بعيدا عن أي تابو أو أي رقابة ذاتية، لأن الفن هو هدفي في الأساس. ولا شك أن لكل خيار في النهاية ثمناً على الكاتب أن يدفعه. أغلب ظني أن القارئ يدرك أنني لا أسعى الى الفضائحية أو لقول خارج الفنية. لذلك أعتقد أنني أقمت علاقة حرة بالقارئ. أو هذا ما أفترضه أو أسعى إليه”. لكنها تضيف أنها واجهت مشكلة منع كتبها في العديد من البلدان العربية. “هذه المشكلة مع الرقابة قائمة غير أنني لا أضعها في حساباتي. ثمة بالطبع إشكالات حتى لا أقول مشكلات تتعلق بقراءات تلصصية في التعامل مع كتابة الكاتبة الأنثى، أي تلك القراءة الذكورية التي تتعاطى مع الأدب الذي تكتبه المرأة من باب التلصّص على ما يفترضونه حميمياتها وكأن المرأة لا تكتب إلا عن ذاتها. وهذا أمر أيضا لا أضعه في حساباتي، فما يهمني كما قلت لك، هو فنية العمل قبل أي اعتبار آخر”.
سلوى النعيمي وإلهام منصور
الكاتبة السوريّة سلوى النعيمي، تقول إنه لم تعترضها أي مشكلة جدية في مسيرتها الأدبية. فمع أن الرقابة منعت كتابها “برهان العسل” في عدد من البلدان العربية إلاّ أنها تعتبر أن المنع لم يعد يعني شيئاً في زمن الإنترنت. “المعنى الوحيد له هو بلادة الرقابة”. كذلك الرقابة في بعض الدول العربية، لم توفّر كتب الروائيّة اللبنانيّة إلهام منصور، فطاولها مقصّ الرقيب. كما تشكو منصور من النقد اللاّذع.
هيفاء بيطار
أمّا الروائيّة السوريّة هيفاء بيطار، فلها قصّة هي الأخرى مع الرقابة التي منعت بعض كتبها في السعودية، من بينها كتاب “نساء بأقفال”، كما منعت الرقابة السورية بعض قصصها القصيرة. كذلك واجهت بيطار غضب المجتمع إذ إن بعض كتبها أثارت غضب الكنيسة في اللاذقية، فمنع أحد المطارنة قراءة كتابيها “يوميات مطلّقة” و”امرأة من طابقين” في عظة الأحد. اكتشفت عندها “تخلّف رجال الدين”. وتضيف بيطار: “هناك أيضا أشخاص متخلّفون، عقليتهم جامدة وأفكارهم ليست تحررّية، يجدون أن كتبي تجاوزت الخطوط الحمر. مثلا هناك رجل لديه بنات مراهقات منعهن من قراءة كتبي”. لكنها تتدارك قائلة إن من المستحيل على الكاتب أن يثير في كتاباته إعجاب الجميع، وإنها تريد في النهاية أن تطالب بحرية المرأة وحرية جسدها من خلال كتاباتها. مع غضب المجتمع واجهت بيطار غضب العائلة. فكتاب “يوميات مطلّقة” هو شبه سيرة ذاتية، وقد أثار غضب والدها عندما قرأه ورفض بعد ذلك أن يكلّمها لمدة شهر معتبراً أنّ الكتاب يمسّ بخصوصيات الأسرة. “كما انزعج والدي من تمرّدي، كون الرواية تتحدث في فصل كامل عن معاناة بطلتها مع المحاكم الروحية المسيحية. “مع أن والدي انسان مثقف وأستاذ في اللغة العربية وهو الذي شجعني على الكتابة منذ البداية. ذهبت يومها الى دار النشر من أجل طباعة الكتاب ودموعي تنهمر، لكن لا ولاء إلاّ للحقيقة حتى لو أثارت غضب والدي. أريد أن أصرخ صرخة احتجاج على القوانين الهاتكة حقوق المرأة”.
كيف تغلّبن على المشكلة؟
أمّا كيف تغلبن على مشكلات الرقابة والملاحقة، فبعضهن أجبن أن الحل هو في النجاح والشهرة، والبعض الآخر اعتبر أن الحل هو في تخفيف الرقابة وتغيير الأنظمة العربية، وليس بالتنازل. فالكاتبة نوال السعداوي تعتبر نفسها تغلبت على كل هذه الصعاب بما فيها فقدان عملها فى وزارة الصحة المصرية عام 1972، وغلق أي منظمة أو مجلة نسائية أو أدبية قامت بإنشائها خلال العقود الثلاثة الماضية، بما فيها مجلة “الصحة” عام 1972، “لأننا كشفنا فى هذه المجلة المشكلات الجنسية والاجتماعية والصحية التي يتعرض لها النساء والرجال والأطفال، ومجلة “نون” عام 1973 تم غلقها أيضا، لأننا دافعنا عن حقوق المرأة كإنسانة كاملة الأهلية”، وتضيف أنها كسبت جميع القضايا التي رفعت ضدها وكسبت كذلك القضية الأخيرة في صيف عام 2008، كما أصدرت الحكومة المصرية في أيار 2008 قانونا جديدا للطفل يعطيه حقوقا جديدة، منها أن يحمل اسم أمه في حالة عدم معرفة الأب، “وكنا نطالب بذلك طويلا حتى نتخلص من مشكلة الأطفال غير الشرعيين، الذين حرموا من الشرف وحقوقهم الانسانية الأخرى قرونا عديدة، كما تم تحريم ختان الاناث في قانون الطفل الجديد 2008، وهي المعركة التي بدأتها منذ نصف قرن وأكثر، هذه كلها انتصارات حققتها على رغم عداء السلطة الحاكمة (سياسيا ودينيا) لأعمالي. ساعدني في هذا النجاح أن كتبي منشورة داخل مصر وخارجها على أوسع نطاق، كما أنها ترجمت الى كثير من لغات العالم، وأصبح لي جمهور كبير يساندني في كل مكان، وهذه هي قوة الكتابة الصادقة المبدعة. على رغم عداء النقّاد الذكور لي وتجاهلهم أعمالي الا أن رصيدي من القراء والقارئات يتضاعف عاما وراء عام، في مصر والوطن العربي وفي الخارج. لم أكن أبالي بالهجوم على كتاباتي وما تعرضت له من قهر وسجن ونفي ومطاردة وتشويه السمعة، جميع المبدعين والمبدعات في التاريخ تم سحلهم، لم تعرف قيمتهم الا بعد موتهم بسنين أو قرون، لم أتنازل عن عقلي ولم أفقد الأمل في تغيير النظام الطبقي الأبوي مع غيري من المفكرين والمبدعين من النساء والرجال في بلادنا وفي العالم. جائزتى الوحيدة هي قرائي وقارئاتي في الوطن العربى وخارجه، وهي القوة الوحيدة التي بها تغلبت على كل الصعاب في حياتي العامة والخاصة، بما فيها طلاقي من زوجي الأول والثاني حفاظا على أفكاري وكتاباتي، وما عاناه ابني وابنتي من اضطهاد بسببى، وعرقلة أعمالهما الخلاقة، رغم ذلك تفوق الاثنان في فنهما وتغلبا على الصعاب، بسبب موهبتهما واصرارهما على الابداع، وعدم التنازل أو الخضوع لأي سلطة سياسية أو اجتماعية. لقد حظيت بمساندتهما لي في كل أزمة تمر بي، وكان وجودهما بجانبي أكبر عامل على نجاحي في الاستمرار حتى اليوم”.
أما الكاتبة علوية صبح، فتقول إنها حين تكتب لا تفكر في أي حلول ولا تشكل معوقات الرقابة هاجسا لديها البتة. وتعتبر أن الحلول بالنسبة الى الرقابة ليست في تنازل الكاتب بل في مواجهتها وتغيير الأنظمة، لأن التنازل عن حرية التعبير قد يضر بالعمل الفني. “لا أسعى الى أي حلول تتعلق بتنازلي عن جرأتي أو حريتي في الكتاية. حين تفكرين في رقابة ذاتية أو خارجية، فالأمر يعوق حرية التعبير التي لا يمكن أن ينبني عمل فني بمعزل عنها”.
تشاركها الرأي الكاتبة الهام منصور، فـ”أنا لا أقف عند مشكلة الرقابة أبداً”. تتغلب عليها بالتجاهل. وكذلك هي لا تلتجئ الى أي تنازلات قد تؤثر سلبا على عملها الفني، وتقول: “أكتب قناعاتي”.
أما الكاتبة هيفاء بيطار فتعتبر أن نجاح روايتها “يوميّات مطلّقة” وحيازتها إعجاب الناس، أعاد الصلة بينها وبين والدها. “عندما نجحت روايتي وشعر أبي أن ابنته روائية تقدرّها الناس، تصالحنا”.
أما بالنسبة الى مشكلة الرقابة، فهي تلتجئ الى التعامل مع دور نشر لبنانية مما يسهل بعدها دخول روايتها الى سوريا والى باقي الدول العربية. تقول: “الناشر اللبناني يُدخل الكتاب الى سوريا، على عاتقه. وهذا أسهل من تقديم العمل مباشرة الى اتحاد الكتاب في سوريا”.
أما في السعودية، فقد مُنعت رواية بيطار “نساء بأقفال”، “لكنني أعتقد أنه يتمّ تهريبها الى هناك. وعلى سبيل المثال فان كتب نزار قباني منعت في السعودية لكن غالبيتها متوافرة هناك.”
النهار
ليس غريبا فى مجمتمع رجعى ومتخلف ان تصادر الاقلام الحرة**وخاصة من قبل الروائات العربيات مثل الهام منصور**وصبا الحزر وسلوى النعيمى وغيرهن كثرات**اتمنى المزيد من كشف الثالوت المحرم وخاصة من قبل الكاتبات السعوديات