واقعنا الزراعي كباقة النرجس: رأسها أبيض، ووجهها أصفر، ورجليها خضراء
سعاد جروس
سئل أعرابي عن زوجته، كيف هي؟ قال: هي كباقة النرجس، رأسها أبيض، ووجهها أصفر، ورجلاها خضراوان. ولو سئل نائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد ومهندس اقتصادنا عن واقع الزراعة،لن يكون جوابه أقل ولا أحسن مما قاله الإعرابي عن زوجته، والحمد والشكر للخطط الاقتصادية العصماء. ففي الاجتماع الذي عقد في وزارة الزراعة الأسبوع الماضي حول برنامج الإصلاح التنفيذي لقطاع الزراعة في الخطة الخمسية العاشرة، قال عبد الله الدردي: “إن القطاع الزراعي سيبقى قطاعاً مهماً وأساسياً في الاقتصاد السوري رغم أنه لم يعد قادراً على خلق فرص عمل جديدة”!! وزاد في الطنبور نغماً أنه “لا توجد حتى الآن رؤية متكاملة حول التسويق الزراعي، وبالتالي فإن الفلاح لا يزال يدفع أثماناً كبيرة، في حين يتقاضى الوسيط مبالغ كبيرة، الأمر الذي يفرض وضع منظومة متكاملة للتسويق الزراعي تضمن تضييق هامش الربح للحلقات الوسيطة بين المزارعين والمستهلك”. مشدداً على ضرورة تحويل الزراعة من نمط حياة إلى مشروع اقتصادي حقيقي، مبيناً أن الإيرادات الزراعية لم تعد كافية لتلبية متطلبات الأسَر الريفية.
كلام النائب الاقتصادي، جاء بعد تقرير للحكومة يفيد بتراجع حصة الزراعة في الناتج المحلي العام الماضي إلى 20% بعدما كانت تسهم بنسبة تراوح بين 27 و30% في الناتج المحلي.
اختزال المشكلة الزراعية بـ”بغياب رؤية متكاملة حول التسويق الزراعي” وأيضاً بـ”الجفاف” هل يبرر للفريق الاقتصادي تقصيره في وضع هذه الرؤية المتكاملة لدى وضعه الخطة الخمسية العاشرة؟! ولدى اتخاذ قرار رفع الدعم عن المحروقات الذي ضاعف تكاليف الإنتاج الزراعي، بالتوازي مع فتح باب الاستيراد على مصراعيه لتدفق المنتجات الزراعية بأسعار منافسة، بحيث لم يعد العمل في الزراعة يغطي تكاليفه، ليغدو إتلاف المحاصيل أوفر بكثير من جنيها وبيعها، وصارت الديون عبئاً على المزارع والدولة. أما الأمن الغذائي الذي تفاخر به سوريا الأمم، بما يكفل لها استقلالية قرارها السياسي وحريته، فقد وضع في مهب السوق المفتوحة، لتعاني سوريا ما تعانيه سائر دول العالم الثالث جراء استهداف زراعتها وإفقارها، وجعلها تعتمد على الإنتاج الزراعي للدول الكبرى، التي تولي عناية خاصة لدعم القطاع الزراعي ولو على حساب غذاء الشعوب الجائعة.
من المؤسف أن نسمع من الدردري قوله بأن القطاع الزراعي في بلد زراعي مثل سوريا “لم يعد قادرا على خلق فرص عمل جديدة”، ونسأله هل هذا فقط نتيجة الجفاف وعوامل الطبيعة، أم واحدة من نتائج الخطة الخمسية العاشرة التي فشلت في تحقيق أحد أهم أهدافها، وهو خفض معدل الفقر من 11.4% إلى 7.5% خلال مدة تطبيقها (2010-2006) حيث تشير الدراسات إلى أن معدلات من هم تحت خط الفقر زادت بنسبة 12% في العام 2008 مقارنة بالعام 2004.
العام 2008 إذا كان النائب الاقتصادي يتذكر ايامه السوداء، هو العام الذي تم فيه عرض المسلسل الحكومي “رفع الدعم وتجنين الأسعار” وبعده كان 2009 الذي انتهى بعودة مظفرة لمدافئ الحطب وقطع الفلاحين أشجارهم للتدفئة، ليجنب الحكومة إحراج التراجع عن خفض سعر المحروقات خمس ليرات، وليتأمل من بعدها في مسائل مسلسل الخيال الرياضي في توزيع البدل النقدي، (يا شاطر أين أذنك) ليكون العام الجديد 2010 عام التفنن بإذلال المواطن، وإلى الطوابير در.
أما بالنسبة لفرص العمل الجديدة، فنرجو من النائب الاقتصادي ألا يشغل باله كثيراً ولا يأخذ الأمر بعين الاعتبار وهو يخطط ويهندس للخطة الخمسية القادمة، فالمواطن السوري معروف بشطارته في نبش الفرص من تحت أظفاره، فعدا فرص العمل التي وفرتها آلية توزيع البدل النقدي في السوق السوداء التي أقيمت على هامشها. هناك فرص أخرى ولو أنها بدائية تندرج في إطار (اقتصاد الظل) فمعظم نسائنا وبالأخص في الريف عُدنَ إلى كار الحياكة والخياطة لستر أبدان أولادهن من مشغولات أيديهن، لأن مشغولات مصانعنا الوطنية صارت تستورد من الصين، وتباع في أسواقنا بأسعار باريس ولندن، لكثرة ما شجعت الحكومة التجارة نكاية بالصناعة، وتماوتت المشاريع الصغيرة التي نطمح الآن إلى استيراد نموذجها من ماليزيا ونمور آسيا. فأصحاب المنشآت الصغيرة المعتمدين على قروض الدولة، عاجزون عن الصمود في وجه سيل المنتجات المستوردة وبأسعار أقل من سعر تكاليف الإنتاج المحلي!! وبذلك سدت منافذ صغيرة وكثيرة، كان من الممكن أن تخلق فرص عمل، لذلك نأمل من الفريق الاقتصادي أن يترك همّ خلق فرص العمل، لأنه كلما فكر في هذا الأمر زادت حدة البطالة والفاقة، وليتركوا الشعب يتدبر أموره وفق تراكم خبراته في اجتياز المحن الاقتصادية الصعبة. كما نتمنى على تجارنا الأذكياء أن يغضوا أبصارهم عن شغالات الصوف والخياطات وأن لا يكافحوهن بإغراق السوق بسلع صينية أرخص، وألا يفكر كبار مستثمرينا أبداً في إنشاء مشاريع تستفيد من تلك الطاقات “المنزلية” لرفد الصناعة الوطنية بصناعة يدوية صالحة للتصدير كسلع فاخرة، تستحق علامة “صنع في سوريا” الكلمة التي صرنا نشتاق لرؤيتها على السلع التي نشتريها من أسواقنا من البابوج إلى الطربوش.
ما نرجوه ألا توضع خطط ويروّج لها على أنها (ستنتشل الزير من البير) ليأتوا بعد خمس سنوات، وبعد أن يقع الفأس بالرأس، ويقولوا أنه لا توجد رؤية متكاملة، دون أن يمنعهم ذلك من التغزل بمنجزاتهم التي يصح عليها وصف كباقة النرجس، رأسها أبيض، ووجهها أصفر، ورجليها خضراء.
الكفاح العربي