المسألة الكرديةصفحات الناس

الأكراد المجردون من الجنسية.. نحو مزيد من التمييز والاضطهاد

null
روان محمد
يعاني الكرد في سورية من السياسات والإجراءات التمييزية من قبل النظام الحاكم في البلاد، حيث تعاني الأحزاب الكردية كباقي الأحزاب المعارضة من الملاحقة والاعتقال، كما أن الثقافة الكردية تشكو من القمع بكافة أشكالها فلا مدارس ولا جامعات ولا مراكز ثقافية كردية، إضافة إلى أن أنه لا توجد أية صحافة كردية رسمية في البلاد، ولو أن الظلم معمم على كافة أبناء الوطن، إلا أن الكردي ينال قسطاً زائداً عن أخوته السوريين، ومن الكرد أيضاً من تكون معاناته مضاعفة عن غيره، حيث ما زال يعاني قرابة ثلاثمائة ألف كردي سوري من الحرمان من التمتع بالجنسية السورية، كما أنه ما تزال الولادات الجديدة لهؤلاء الناس تسجل في خانة أجانب محافظة الحسكة، إضافة إلى الآلاف من مكتومي القيد.
جرد الإحصاء الاستثنائي الذي طبق في محافظة الحسكة بتاريخ 5/10/1962 بموجب المرسوم التشريعي الصادر عن الرئيس السوري الأسبق ناظم قدسي ذي الرقم /93/ بتاريخ 23/آب/1962 قرابة /120/ ألف كردي من الجنسية السورية، وبنتيجة هذا الإحصاء فقدوا كافة حقوق المواطنة، من الحق في التصويت والمشاركة في الحياة العامة، إلى الحق في السفر خارج البلاد، وفي الملكية الخاصة، والتوظيف في القطاع العام، بالإضافة إلى مسائل أخرى مختلفة. والمضحك المبكي في قضية هؤلاء السوريين أن آبائهم قد ولدوا مواطنين وانهوا الخدمة العسكرية في الجيش العربي السوري، وفي حوزتهم وثائق عدة تثبت بالدليل القاطع سوريتهم وانتمائهم لهذا الوطن كمواطنين أصلاء.
الإحصاء الجائر وبشكل اعتباطي ودون مراعاة لأبسط قيم الإنسانية جرد مئات الآلاف منهم من الهوية الوطنية فأضحوا غرباء في وطنهم، مهاجرين ولاجئين فيه، علماً أن منهم من كان يوماً ما ضابطاً قائداً في الجيش السوري كالعقيد توفيق نظام الدين والذي سمي أجنبياً بعد هذا الإحصاء، ناهيك عن الآلاف من العوائل التي يكون فيها عدة أخوة مواطنون والبعض الأخر أجانب من نفس الأب والأم.
الإجراءات والقوانين الجديدة التي صدرت مؤخرا، تزيد من أساهم أسىً، وتضيف إلى حياتهم المزيد من الاضطهاد والتمييز، وأخر هذه الإجراءات التعميم الصادر عن مصرف سورية المركزي ذي الرقم 233/100تاريخ 19/1/2010 الذي وزع على كافة فروعه العاملة في الجمهورية العربية السورية بإيقاف صرف الشيكات (لما سماهم أجانب الحسكة) وحجزها وإعادتها إلى مصرف سورية المركزي وبيان المصروف منها. وجاء في التعميم “أعلمنا محافظ دمشق بكتابه المؤرخ في 18/1/2010 بأن المركز رقم 48 قام بتوزيع 67 شيكاً على بعض المواطنين -أجانب الحسكة- مع أن التعليمات تفيد بعدم منحهم الدعم إلا في محافظة الحسكة”.
محمد بشير من الأكراد المجردين من الجنسية، ويقطن في حي وادي المشاريع الغربية (زورأفا) قال “لو سافرت إلى القامشلي لأصرف الشيك الممنوح إلي سأخسر ألف ليرة كأجرة طريق فقط، دونما التوقف في استراحة لشرب كأس من الشاي أو حتى دخول الحمام”.
وأضاف بشير الذي يعيش مع زوجته وأربعة أبناء في بيت من الأجرة “إني مضطر للذهاب وإلا سأفقد هذه المنحة، بالرغم من قلتها لكنها جيدة للعوائل الفقيرة”.
وكان الرئيس الأسد قد أصدر بتاريخ 19/11/2009 الأسد القانون رقم /29/ والذي يقضي بتوزيع مبلغ الدعم النقدي لمادة المازوت على المواطنين، وتحديد المبالغ المراد توزيعها بشكل نقدي على المواطنين السوريين المقيمين إقامة دائمة ومن في حكمهم من أرباب الأسر المستحقة للدعم ممن يحملون بطاقات عائلية.
القرار كلَّف مصرف سورية المركزي بإصدار الشيكات اللازمة والمتضمنة تحديد المبلغ النقدي للدعم. وبتاريخ 15/12/2009 أقرت الحكومة التعليمات التنفيذية للقانون رقم /29/ الخاص بتوزيع الدعم النقدي لمادة المازوت، بحيث يوزع مبلغ الدعم على دفعتين مبلغ كل منهما خمسة ألاف ليرة سورية بدأ استحقاق الأولى منهما في منتصف كانون الأول 2009، والثانية في الأول من شهر شباط 2010.
سليم خاني، من أهالي مدينة المالكية ويعيش في حي مزة جبل – خزان قال “على الحكومة أن تسهل أمور الفقراء أمثالنا، لا أن تعقدها أكثر من ما هي معقدة”.
وتساءل خاني الذي يعمل في إحدى المطاعم بضاحية دمر “ما هي الحكمة من صرف شيكاتنا في محافظة الحسكة، طالما أن للمصرف فروع في كافة المحافظات؟ إن هذا الإجراء ليس إلا خلق المزيد من المشاكل للأكراد الأجانب والمكتومين”.
من جهة أخرى، طُلب من مديري مدارس التعليم الأساسي والثانوي وجوب التقيد التام بعدم منح الطلاب مكتومي القيد في مرحلة التعليم الأساسي تسلسل دراسي وبعدم منح الطلاب مكتومي القيد في مرحلة التعليم الثانوي أية وثيقة مختومة بخاتم المدرسة، وتحت طائلة المسؤولية القانونية وذلك وفق التعميم الصادر عن مدير التربية بالحسكة ذي الرقم /4623/4 ص ع/ تاريخ 17/9/2008.
وطبقاً لجهات حقوقية كردية فإنه وبنتيجة هذا التعميم فإن الطلبة الكرد مكتومي القيد الذين حصلوا على شهادة التعليم الأساسي، ويرغبون التقدم لشهادة التعليم الثانوي بصفة أحرار، لا يستطيعون إتمام إجراءات التقدم للامتحانات المذكورة، لكون دائرة الامتحانات ومديرية التربية في محافظة الحسكة، تشترطان ضرورة وجود تسلسل دراسي للطالب مع الأوراق المطلوبة للتقدم للامتحانات، وفي حال كان الطالب مكتوم القيد الحاصل على شهادة التعليم الأساسي، قد تقدم بشكل نظامي إلى الشهادة الثانوية ونجح فيها، فأنه يحرم من الحصول على وثيقة إتمام المرحلة الثانوية وتبقى هذه الوثيقة مرهونة في دائرة الامتحانات حتى يحصل هذا الطالب على الجنسية السورية أو على إخراج قيد أجانب محافظة الحسكة، وهذا الأمر مستحيل المنال لأنها مرتبطة بسياسة الدولة تجاه أبناء الشعب الكردي في سورية، ولا توجد حالياً أية آفاق لتجاوز هذه السياسة العنصرية المقيتة، مما يحول بين الطالب وبين متابعة دراسته وتحصيله الجامعي، وهذا ما يزيد في تفاقم مأساة ومعاناة هؤلاء المجردين من الجنسية السورية.
الفقر والجفاف في محافظة الحسكة السورية، دفع بمئات الآلاف من أبناء المحافظة من الهجرة نحو الداخل السوري أو إلى لبنان وبعض الدول الخليجية، وتعاني المحافظة من قوانين استثنائية يرجح الساسة الأكراد إلى سبب الغالبية الكردية فيها.
قيادي في حزب كردي يقول “هناك قوانين استثنائية عدة خاصة بالمحافظة، لعل أبرزها المرسوم التشريعي رقم /49/ الذي فرض قيود صارمة على عمليات بيع وشراء وآجار العقارات في المحافظة، حيث اعتبر المرسوم كافة المحافظة منطقة حدودية”.
وأوضح القيادي الذي يقطن في القامشلي “إن سياسات النظام ضد الأكراد، دفعت بالكثير منهم إلى الهجرة والبحث عن مكان للعيش والحياة”.
ونوه القيادي الكردي إلى إن حزاماً كردياً يلف دمشق الآن، ناهيك عن أحياء أخرى داخل العاصمة.
إن مأساة الأكراد السوريين الذين جردوا من الجنسية، تتفاقم يوماً بعد يوم، فهم محرومون من التداوي في المستشفيات والمستوصفات الحكومية بسبب عدم امتلاكهم لما يسمى بدفتر الصحة، كما أن أنهم يواجهون مصاعب جمة في القبول بمشفى المواساة والبيروني لمعالجة مرضى السرطان، ناهيك عن الغموض الذي يواجه آلاف طلبة المدارس وخريجي الجامعات، حيث تمنع القوانين انتسابهم للنقابات المهنية وبالتالي عدم تمكنهم من ممارسة أي مهنة طبقاً لاختصاصاتهم الجامعية.
ثمان سنوات مرت على زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى محافظة الحسكة في عام 2002، المكان الذي يحتضن معظم إنتاج سورية من النفط، والقمح، والقطن، والمسطحات المائية، ومئات التلال الأثرية التي ترقد في ترابها مئات المدن والأماكن الأثرية تعود إلى أكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد. الزيارة التي التقى بها السيد الرئيس مواطنين سوريين، وأجانب ومكتومين من أبناء المحافظة وقطع على نفسه وعداً بأنه فور عودته للعاصمة دمشق، سيحل هذه القضية التي تشكل عبئاً على الحكومة السورية، بل على النظام بأكمله.
الرئيس الأسد عاد إلى دمشق، ومرت سنون عدة، ولا حل في الأفق القريب لهذه المعضلة، معضلة مواطنين سوريين جردوا من هويتهم الوطنية، وتستمر مأساة هؤلاء المواطنين – الأجانب- الغرباء في وطنهم.
المرصد السوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى