الجفاف يدمر القرى السورية
معهد صحافة السلم والحرب
إن النقص الحاد في كميات الأمطار التي استمرت لمدة تزيد عن ثلاث سنوات أدت إلى شلّ الزراعة في شمال شرق سورية، حيث يقول سكان تلك المنطقة بأن الظروف لا زالت تتدهور في غياب أي بدائل اقتصادية وضعف رد الفعل الحكومي.
إن ظروف معيشة السكان في تلك المنطقة صعبة جداً كما يقول أحمد السالم، وهو مهندس زراعي يعيش في قرية قريبة جداً من مدينة القامشلي.
ويضيف بأن معظم زملائه من القرويين قد انتقلوا للمعيشة إلى دمشق أو إلى مدن أخرى كبيرة للبحث عن مصادر جديدة للدخل، وانتهى الوضع للعديد منهم للعمل في أعمال صعبة.
يقول المهندس: “إن البعض يعتمدون على تهريب السجائر والبضائع الإلكترونية ما بين سورية والعراق ويعملون في بعض الأحيان في نقل المواشي والمحروقات، وتقوم النساء بتربية الدجاج ويعيشون من بيع البيض”.
واليوم فإن العديد من قرى المنطقة الشمالية الشرقية شبه مهجورة مع وجود مدارس مغلقة وبيوت وأراضٍ مهجورة.
تقليدياً، فإن المحافظات الشمالية الشرقية هي مناطق غنية بالأنهار تحتوي على جزء من أكثر مناطق سورية خصوبة وتزرع فيها الخضروات والفواكه والقمح و القطن.
يقول مسئول في وزارة الزراعة فضل عدم الكشف عن اسمه: “إن الزراعة تمثل الهيكل العظمي للاقتصاد هنا”.
وأضاف بأن نقص الهطول المطري قد أثر في الاقتصاد الوطني بصورة عامة وذلك لأن 30% من الأراضي الزراعية في سورية موجودة في محافظة الجزيرة في المنطقة الشمالية الشرقية…….
يقول مراقبون بأن الجفاف إضافة إلى الضعف في استراتجيات الري قد أدى إلى إفقار وتشريد عدد كبير من سكان هذه المناطق.
لقد تأثر ما يقرب من 1.3 مليون شخص بهذه الكارثة، حيث فقد ما يقرب من 800000 منهم موارد رزقهم الرئيسة وهم يواجهون ضنكاً شديداً في العيش وذلك بحسب الحكومة السورية واللجان التقييمة التابعة للأمم المتحدة.
إن الهجرة خارج المناطق المتأثرة تزداد بشكل كبير، مع وجود تقديرات تشير إلى أن هناك ما بين 40000 إلى 60000 عائلة قد انتقلت من أماكن سكنها بحسب الأمم المتحدة.
كالعديد من الأشخاص في الجزيرة فإن محمد الشيخ وزوجته وبناته الثلاثة يعيشون على حوالة مالية صغيرة يرسلها إليه ابناه الذين يعملون في مصنع في دمشق.
وعلى الرغم من أن الشيخ الذي يبلغ الستين من العمر يمتلك أرضاً زراعية في قرية (تل حميس) إلا أن هناك القليل من المحاصيل التي تنمو نتيجة للجفاف الذي ضرب المنطقة.
يقول محمد: “لقد كان لدي قطعة أرض زراعية ولكن ندرة هطول المطر قد جعلها قاحلة”. ويضيف بأنه ودون التحويلات الشهرية التي تصل إلى 5000 ليرة سورية (110 دولار أمريكي) فإن عائلته سوف تقع ضحية الجوع والمرض”.
في أغسطس رفعت الحكومة السورية ومنظمات العون الدولية درجة الخطر وأطلقت برنامج طوارئ لتفادي حصول كارثة إنسانية في المنطقة والمساعدة في منع حصول الجفاف في المنطقة.
وقد هدفت الخطة إلى جمع 52.9 مليون دولار من أجل دعم المساعدات الغذائية إضافة إلى دعم البذور وعلف الحيوانات وتقديمها للمزارعين مع حلول منتصف عام 2010، على أمل أن تساعد المحاصيل الجديدة في دعم نظام الأمن الغذائي.
ولكن الإعانات الملحة تبدو بطيئة في الوصول إلى المنطقة. السنة الماضية قالت تقارير إعلامية إن الأمم المتحدة جمعت وبصعوبة مساعدات طارئة لضحايا الجفاف في سورية بسبب وجود توتر دبلوماسي ما بين سورية والدول الأخرى.
وقد أخبر مسئول في الأمم المتحدة “الفايننشال تايمز” في أكتوبر بأن المانحين لم يعطوا أي نقود إلى سورية بسهولة لأسباب سياسية ووصف الوضع في الجزيرة “بالكارثة المستمرة”.
وكجزء من خطة الاستجابة لهذا الأمر، قام برنامج الأمم المتحدة للغذاء بالعمل على مشروع لتوفير المواد الغذائية للمنطقة بميزانية تصل إلى 22 مليون دولار، حتى تموز القادم حيث موعد المحصول التالي.
وهذا البرنامج يستهدف ما يقرب من 300000 مستفيد في المناطق الشمالية الشرقية في منقطة الرقة ودير الزور والحسكة.
ويقول برنامج الأمم المتحدة للغذاء في بيان أصدره هذا الأسبوع بأنه يأمل في أن يبدأ في توزيع الغذاء وفقاً للبرنامج مع نهاية شهر يناير وسوف يستمر حتى تنتهي المساعدات.
على كل حال بالكاد جمع البرنامج 5.3 مليون دولار وهو ما يمثل ربع الميزانية المخطط لها، وقد أتت هذه الأموال من أستراليا وأيرلندا والسعودية والسويد ومن صندوق الأمم المتحدة المركزي. ويأمل البرنامج في جمع المزيد من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ولكن البرنامج لم يرد على استفسار قدم لمعرفة عدم قيام دول أخرى بالتعهد بالدفع.
يقول محمد هادي وهو ممثل البرنامج في سورية في بيان أصدره بأن “معظم السكان المتأثرين يواجهون ضنكاً حاداً وقد استنفذوا جميع آليات مواجهة الصعوبات. وقد صمم البرنامج عملية طارئة جديدة من أجل التعامل مع نقص الغذاء ما بين معظم السكان الأكثر عرضة للجفاف وخصوصاً إيلاء الأهمية للنساء والأطفال تحت سن الخامسة”.
يقول بعض المسئولين المحليين، بأن تقديم الطعام ليس بالأمر الكافي لمواجهة حاجات السكان في المناطق التي يضربها الجفاف في سورية.
يقول مسئول في حزب البعث الحاكم ينتمي إلى إحدى القرى في منطقة الجزيرة: “ليس من المبالغ فيه القول بأن الناس يموتون من الجوع هنا”.
ويضيف مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: “لقد أخبرت السلطات المحلية هنا الحكومة المركزية عدة مرات بفداحة الموقف هنا ولكن دون فائدة”.
وأضاف: “إن سلات الغذاء ليست كافية لا سيما مع انتشار الفساد وسرقة بعض المواد الغذائية”.
في يونيو بدأت الحكومة بتوزيع الطرود الغذائية والتي تحتوي على الطحين والسكر والزيت وبعض المواد الأخرى للأسر المنكوبة.
كما أن الفقر يؤثر أيضاً على الصحة و التعليم.
يقول أحد الأطباء الذين يعملون في منظمة مساعدة سورية بأن توفر المنشآت الطبية في القرى الشمالية الشرقية أمر نادر الوجود. وقد أضاف بأن معظم الناس لا يمكنهم الوصول إلى العيادات الخاصة حيث يتم اللجوء إلى العيادات الحكومية المزدحمة حيث يتم تقديم الخدمات الطبية للفقراء من خلالها.
يقول معلم آخر من قرية “تل حميس” بأن عدد الأطفال الذين يخرجون من المدرسة في تزايد كما أن الفقر قد دفع العديد من أولياء الأمور إلى إرسال أطفالهم للعمل.
وقد روى لنا كيف أن أحد طلابه لا يستطيع القيام بواجبه المنزلي بسبب أن والده قد أخبره أنه لا يمتلك المال اللازم لشراء كراسة تمارين جديدة له.
يقول نقاد محليون بأن الحكومة قد فشلت في تنفيذ خطة للتنمية المستدامة في المنقطة الشمالية الشرقية، والتي تحتاج إلى مزيد من الاستثمارات الصناعية والسياحية.
يقول البعض بأن المنطقة قد تستفيد من بناء مصانع جديدة للاستفادة من مواردها الخام المحلية مثل النفط والغاز الطبيعي والكبريت.
يقول مسئول من مديرية السياحة بأن الجزيرة كانت “مليئة بالمواقع الأثرية ذات الأهمية الكبيرة” ويضيف بأن الدولة سوف تستثمر في القطاع السياحي من أجل جذب مزيد من المستثمرين للمنقطة.
ترجمة: قسم الترجمة في مركز الشرق العربي