أجانب الحسكة!
فلورنس غزلان
مازوت مافي…ماء مافي…روحوا اشربوا من البحر…وهكذا كان!
ــ في سورية الثورة، سورية البلد الديمقراطي الذي لايحتاج لقانون أحزاب ــ حسب رأي السيد” محمود الأبرش” رئيس مجلس الشعب ،… بشكل أدق الممثل والناطق باسم الشعب! ..لأن سوريا برأيه الشخصي:ــ” لا حاجة لإصدار قانون أحزاب في سورية وأن الجبهة الوطنية التقدمية تعد تجربة رائدة في تنفيذ الحياة الديمقراطية المستقرة في سورية”!.
كمااعتبر السيد الأبرش أن:ــ” سورية كانت سباقة لتطبيق الديمقراطية في مجالات الحياة كافة والتي ظهرت من خلال تجربة مجلس الشعب والجبهة الوطنية التقدمية وقانون الإدارة المحلية”.
هذه السورية الديمقراطية والتي يترأسها ويقودها حزب واحد لاشريك له في قيادة الدولة والمجتمع..يثبت عملياً مدى مشاركة الشعب بقوة في رسم سياسة البلد الديمقراطية و ممارسة حرياته السياسية والاقتصادية من خلال انتخابات تشريعية يضع قوائمها ويقسم نسبها حسب طلب الحزب القائد ، الذي لايحتاج لشركاء له في إدارة دفة التمرير والشفط والتزوير، ثم التقطير والتنقيط بقطارة المَكرُمات للزيت والمازوت والماء والكهرباء للشعب، الذي لايشتكي ولا يتذمر إلا بينه وبين نفسه في آواخر الليالي وهو يرتجف برداً وينتفض من حمى الأسعار ومن ملاحقة العسس ومتابعتهم لأنفاسه ومكالماته وأحبابه وناسه، لأنه منذ مَنَّت عليه الحكومة بالديمقراطية وتفضلت عليه بالحرية وأكرمته بعطاء موصوف ونادر تصوروا ” 10 آلاف ليرة سورية ” ليرة تنطح ليرة…انتبهوا ليرة وليس دولار أو يورو…وعلى دفعتين دعماً للمازوت كي ينعم المواطن بالدفء ويدعو للحكومة بطول العمر والبقاء وللشعب بقصف الرقبة وقطع اللسان لو تطاول وتبلى ولم يحمد أو يشكر لنعم الحياة والهبات والعطاءات التي يغرقه بها مسؤولوه!، ويجعلوا من وطنه نموذجاً ومثالاً نادراً يستحق التبجيل والتكريم في أعظم الموسوعات ، فأين القزم غينيتس مما يجري في سوريا؟!، وكيف يغض العالم النظر على أساليب التكريم …عفوا التحريم والتجريم، لأكثر من ربع مليون مواطن سوري المولد والمنشأ أباً عن جد…لكنه بعرفها ” غريب ابن غريب” تسلل خلسة وجاءنا عنوة طمعاً في لذة العيش الكريم ورغبة في تذوق وممارسة ديمقراطيتنا النادرة، وحريتنا اللامحدودة، واحتراماً منه لقوانيننا المساوية لكل المواطنين دون تمييز…اللهم إلا تمييزها بين الغريب وابن البلد ، لأن الفرق شاسع بين أن يكون كردي سوري أو عربي سوري!! وبين ابن الست وابن الجارية…وابن العز وابن المعز…وهذا من باب طبيعة الأمور لا أكثر، فديمقراطية العطري والأبرش .وصل بها الحس الوطني إلى أن تسمي الأشياء بأسمائها، لأنها لاتخشى لومة لائم ،لاعتقادها أنها الحق والحق كله ومليكته وحاملته وناقلته….فأطلقت على أبناء ( الحسكة الأكراد) لقب الأجانب…وقدمت بهم مذكرة إحضار وطالبتهم بإعادة مبالغ تكرمت بها حكومة العطري ثمن دعم للمازوت…وكقسط أول ، وأصدرت بلاغ عاجل قامت بتعميمه يطالب هؤلاء الغرباء! بإعادة ماليس لهم فيه حق…لأنهم يتعدون على أموال الدولة ويأخذون مال الشعب السوري الأصلي…لأنهم شعب مُزَور! يعيشون بيننا على مبدأ المثل القائل” قاعد بحضنه وبينتف بدقنه”…أيجوز هذا يا أهل المحبة والعدل؟!…وكي لاتستمر مهزلة أخذ مال الغير !…أصدر محافظ البنك المركزي السوري قراراً يطالب هؤلاء الغرباء بإعادة المال المخصص فقط للمواطنين السوريين المعترف بهويتهم الوطنية من قبل الحكومة الرشيدة ، أما الغرباء الأجانب القابع بعضهم في الحسكة والقامشلي أو من يقطنون أحزمة البؤس…فإنهم غرباء ويكفي أن سوريا تأويهم رحمة ومحبة وإنسانية!! ــ ما أكبر قلب الحكومة!ـــ هؤلاء مجهولي ومعدومي الجنسية…خلقوا من طين الحسكة ومن مائها ،الذي جفت ضروعه الآن وأدت إلى هجرتهم عن مساكنهم ..ناهيك عما طالهم من تهجير قسري…منعت عنهم أولاً مياه الري لأراضيهم وزرعهم…فظلوا يأملون…منعت عنهم الهوية الوطنية فتعلقوا بالأمل…وطرقوا أبواب الحكومات المتعاقبة….عَلَّ بعضها يحل معضلة عائلات مشردة وأبناء دون عمل ومواطنين دون وطن…لكن الجميع اتفق على إلغائهم من دفاتر النفوس السورية ونسب لهم الغربة وهم فوق تراب وطنهم!…ولم يكتفوا بهذا …فسارعوا لتصحيح خطأ فادح ارتكبته بعض البلديات والمحافظات حين منحتهم حقهم من الدعم المازوتي أسوة بغيرهم من المواطنين! ومقدارها ” 5 آلاف ليرة سورية لاغير” كدفعة أولى فطالبتهم بإعادتها إلى صندوق البنك المركزي! ..فتصورا كيف يفعل هذا المجهول الهوية وكيف سيسافر لدمشق ويتكفل بأجرة السفر والإقامة على الأقل ليوم واحد وعلى نفقته الخاصة …ليعيد للحكومة حقها بالخمسة آلاف ليرة!! ــ ربما أن بعضهم لم تطأ قدماه أرض العاصمة طيلة حياته، ودون أن ننسى أن المسافة بين دمشق والحسكة أكثر من 600 كيلو متر! ــ…وهانحن نقرأ عن مجموعة من هؤلاء الغرباء ممن ضاقت بهم سبل العيش والاعتراف بهم كمواطنين يهجرون مدنهم وقراهم وتضيق بهم حتى أحزمة الفقر الدمشقية والحلبية….فيركبون البحر…فإما أن يرأف بهم ويحملهم إلى بر الأمان…أو يشربون ملحه وينامون في قعره نومتهم الأبدية…ربما يكون البحر أكثر رأفة واحتراماً لانسانيتهم …لأنهم في النهاية لاشيء…نعم عندما يكون المواطن بلا هوية…فهو لاشيء.
لقد تلقفتهم يد الرحمة وحراس السواحل في كورسيكا الفرنسية…لم يكونوا أول ركاب المجهول ولا آخر مغامري الحرية والباحثين عن كرامة وموطيء قدم ثابتة على الأرض …أو قبر معترف بانتمائه للأرض التي يموت عليها وبشاهدة تحمل اسمه وهويته….
إنهم غرباء الأكراد..إنهم المحرومون، المُهَّجرون المقتلعون من جذورهم الهائمون في بحار الغربة…بعد أن لفظتهم حواكير الوطن وشواطيء السكينة وحقول الكرامة والانسانية…
ــ أورد لكم مقطعاً من نص الخبر كما أوردته الصحف:ــ
أفرج قضاة مساء امس الاحد عن ثلاثة ارباع المهاجرين الاكراد الذين عثر عليهم في نهاية الاسبوع في جزيرة كورسيكا الفرنسية في المتوسط. واطلق سراح 94 من هؤلاء المهاجرين بطريقة غير مشروعة البالغ عددهم 123 والذين يؤكدون انهم قدموا من سوريا.
وقد عثر عليهم صباح الجمعة على شاطىء قريب من بونيفاسيو في اقصى جنوب الجزيرة. وقال القضاة ان حرمان هؤلاء المهاجرين من حريتهم جرى خارج اي اطار قانوني. وسيعود الى المحاكم الادارية البت نهائيا في ابعاد الذين ما زالوا موقوفين. وكان وزير الهجرة الفرنسي اريك بيسون صرح الاحد ان 61 من المهاجرين الراشدين اختاروا ان يطلبوا اللجوء السياسي.
لم يكتب عنهم حزب سياسي سوري معارض أو موالي، ذكروهم كما ذكرتهم وتداولت خبرهم الصحف والتلفزيونات الأجنبية…مجرد غرباء…يهربون من جحيم النكران إلى بحار المجهول..من سراب الخداع والتخدير بفرج الغد القريب إلى سراب الحلم بتحسين شروط الوجود، ولم يصدر عن الدولة المضيفة لهم…كلمة أو سطراً عن الأسباب التي دفعت بهم إلى سلوك هذا الطريق، وأنها ليست أسباب اقتصادية فقط…بل انكار هوية…عزل وإقصاء وإغفال لحقوقهم كمواطنين يعيشون منذ مئات السنين فوق أرضهم ولم يعترف بهم وينعتون بمعدومي الهوية…أو ” الأجانب”…ومع هذا فإن فرنسا الساركوزية…تتفتق عبقريتها السياسية…”عن أهمية العلاقة مع سورية…وعن التزام سورية ورئيسها بما طلب منهم!…أو أنها احترمت ما عاهدت عليه!…وعن دورها في استقرار وسلام المنطقة “!.
كيف ومَن يَصنع الاستقرار والسلام؟ …هل تصنعه حكومة تلفظ مواطنيها خارج أرضهم وقراهم؟ …هل تصنعها حكومة عاملتهم كأجانب دون هوية لعشرات السنين وحرمتهم حقهم بالوجود؟…هل ركبوا المجهول فقط لأنهم جياع؟ لماذا ومن أوصلهم لحافة الجوع؟ …أمع هذه الحكومة الديقراطية ستصنع ياسيد ساركوزي الاستقرار والسلام؟!.
ــ باريس 27/01/2010
خاص – صفحات سورية –