المثقفون والمسؤولية التاريخية عن الوحدة
عوني فرسخ
في حوار “الخليج” مع د. سمير أمين ، المفكر العربي المعروف ، انتهى للقول بأن الوحدة العربية غدت ضرورة تاريخية .
فيما يقرر د. خير الدين حسيب ، مدير عام مركز دراسات الوحدة العربية وامين عام المؤتمر القومي العربي ، بأن لا مستقبل للامة العربية إلا بالوحدة . ويتزايد بين المفكرين العرب ، على اختلاف انتماءاتهم السياسة ، المدركون بأن الوحدة انما هي الخيار الاستراتيجي في المستقبل العربي ، لكونها سبيل الشعوب العربية لمواجهة قصور انظمتها القطرية عن تقديم الاستجابة الفاعلة للتحديات الداخلية والخارجية ، وبالذات مخطط التفتيت العرقي والطائفي المهدد وحدة التراب الوطني والنسيج المجتمعي لاكثر من قطر عربي .
ولما كان اسهام الانشطة الانتاجية ، خاصة الصناعة ، محدودا في الاقتصاديات العربية ، افتقدت الامة العربية على الصعيدين القومي والقطري البرجوازية الوطنية صاحبة الدور التاريخي في تحقيق الوحدة القومية واقامة الديمقراطية وتوفير متطلبات التقدم العلمي والمعرفي والتطور الحضاري ، اسوة بما انجزته البرجوازيات الاوروبية . وبالمقابل غلبت على البرجوازيات العربية فئة الكمبرادور ، المرتبطة مصالحها بالاسواق الخارجية بصورة رئيسية ، وعليه لم تنجز مستويات متقدمة من التكامل العربي ، فضلا عن اضاعتها فرص الاتحاد والوحدة . وبالتالي غدا المثقفون موضوع الامل إن هم تحملوا مسؤولية تفعيل الغالبية الشعبية ذات المصلحة بالوحدة وإقامة أنظمة دستورية ملتزمة بالحريات العامة والخاصة وسيادة القانون وحقوق الانسان .
غير أن المثقفين ليسوا سواء ، خاصة حين يواجه المجتمع تحديات مصيرية . إذ ينقسمون الى مثقفين عضويين ملتزمين بالقضايا الوطنية والاجتماعية ومستعدين لتحمل تبعات التزامهم ، وهم على الاغلب اقلية بين المهنيين والاكاديميين وطلبة الجامعات . في مقابل الاكثرية التي تتقدم عندها مصالحها الذاتية ، ولا يتردد غير يسير منها لتوظيف كفاءاتهم وخبراتهم وذكائهم في خدمة قوى الاستغلال والتسلط لقاء امتيازات مادية ومعنوية يحصلون عليها ، سيما في زمن العولمة والترف الاستهلاكي ، وبعد ان اصبح لكل شيء ثمن ولم تعد هناك قيمة لمبدا او تضحية .
وما يميز المثقف العضوي العربي راهنا عطاؤه في تعميق الوعي بالتكامل العربي في سائر الانشطة ، وتعزيز الشعور بالانتماء الوطني في كل قطر عربي ، باعتباره حجر الزاوية في حماية الانسجة الاجتماعية القطرية ، وتحصينها ضد النوازع دون الوطنية : العرقية والطائفية والعشائرية والجهوية الجارية استثارتها على الصعيدين القومي والقطري . حيث يبدو جليا صيرورة الاقليات موضوع رهان الادارة الامريكية وادواتها الاقليمية والمحلية في اشاعة ” الفوضى الخلاقة ” للانتقال بالوطن العربي من التجزئة القطرية الى التفتيت العرقي والطائفي .
وتوضح قراءة الواقع العربي ظاهرتين متضادتين : إذ هناك غالبية نخبوية وجماهيرية معطلة الطاقات مشلولة الفاعلية ، كنتيجة للقمع وأحكام الطوارىء ولغياب الديمقراطية وشيوع ثقافة الهزيمة وما تفرزه من مشاعر الياس والإحباط والاستسلام للواقع المأزوم . وبالمقابل هناك انجازات عربية مشهودة فرضت ذاتها على اجهزة الاعلام الدولية . إذ على الرغم من الخلل الاستراتيجي في ميزان القدرات والادوار لصالح التحالف المضاد للمصالح والحقوق العربية المشروعة بقيادته الامريكية ، وما عليه النظام الاقليمي العربي من ترهل وفقدان المنعة واستقلال الارادة . إلا أن هجمة التحالف المضاد فشلت في استلاب إرادة قوى الممانعة والمقاومة في كل مواقع الصراع الذي فرض على الشعوب العربية . والمأزق الامريكي في العراق ، وسقوط قوة الردع واساطير التفوق الصهيونية في لبنان وقطاع غزة المحاصر ، البرهان الساطع على أن الامة العربية لما تزل تمتلك قدرة فذة على دحر الغزاة وتطهير ترابها المقدس من دنسهم .
وتوضح التجارب العربية في القرن العشرين الارتباط العضوي بين الاهداف القومية الستة : الاستقلال ، والوحدة ، والديمقراطية ، والتنمية الشاملة ، والعدالة الاجتماعية ، والتجدد الحضاري . وهي الاهداف التي التقى على الالتزام بها كل من : المؤتمر القومي العربي – والمؤتمر القومي – الاسلامي ، ومؤتمر الاحزاب العربية . ولما كانت المؤتمرات الثلاثة تضم اعضاء من التيارات الفكرية : القومي والاسلامي والليبرالي والماركسي ، فالاهداف الستة غدت راهنا أهداف القوى الفكرية والسياسية العربية كافة .
والثابت ان الفكر القومي العربي منذ نشأته الاولى أكد اعتبار اصحاب الوجود التاريخي والطبيعي في عموم الوطن العربي ، على اختلاف اصولهم السلالية واديانهم ومذاهبهم وطوائفهم شركاء مسيرة ومصير ، واجزاء لا تتجزأ من الانسجة المجتمعية حيث اقاموا ، ولهم حقوق المواطنة كافة ، وعليهم التزاماتها . والذي توضحه الدراسات الاجتماعية الموضوعية ارتفاع نسبة التجانس والاندماج في عموم الوطن العربي على محاور السلالات التاريخية ، والدين والمذاهب ، واللغة والثقافة والقيم وانماط السلوك . بحيث أن المواطنين جميعا يشكلون اكثريتين . عربية تضم مسلمين ومسيحيين ، ومسلمة تضم عربا وغير عرب . وفي مواجهة دعاوى مخطط التفتيت مطلوب التعمق في بحث قضايا ومشاكل الجماعات المصنفة تجاوزا “اقليات ” في ضوء حقائق التاريخ ومعطيات الواقع ، والانفتاح عليها ، وإجراء الحوار مع نخبها الفكرية والسياسية . على قاعدة انعدام التناقضات العدائية بينها وبين الاكثرية العربية ، فضلا عن مشاركتها الاكثرية في موروثها الحضاري ، وكان لمبدعيها اسهامهم في اثراء الثقافة العربية الاسلامية والتصدي للغزاة الاجانب .
ثم إنه غاية في الأهمية أن يكون بندا أساسيا على جداول اعمال كل من المؤتمرات الثلاثة ، والأمانات العامة للاتحادات المهنية العربية ، التواصل مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لتفعيل مؤسسات العمل العربي المشترك ، وتعميق وتوسيع إطار الوعي بانعدام التناقض بين ما هو قطري خاص وقومي عام ، واعتماد برامج حوارية لتأصيل القواسم المشتركة بين المواطنين على الصعيدين القطري والقومي . والدفع باتجاه اقامة جبهات وطنية قطرية ملتزمة بالاهداف القومية الستة ، وحوار نخب “الاقليات ” “العرقية والطائفية ” لتحصينها كي لا تكون بيادق شطرنج في مخطط التفتيت .
كاتب فلسطيني