صفحات ثقافية

نريدها عدوى

null


جمانة حداد

6 دقائق

شعرتُ بالهلع عندما قرأ الشاعر شوقي عبد الأمير أحدث أرقام إحصاءات القراءة في العالم العربي، خلال المؤتمر التاسع لـ”كتاب في جريدة” الذي انعقد أخيراً في فيينا.
شعرتُ بالهلع على رغم أني كنتُ، إلى حدّ بعيد، على بيّنة منها، تلك الأرقام المرعبة. ولكن عندما يسمع المرء هذا الكمّ من أحكام الإعدام المهينة، تُتلى بصوت عالٍ أمام جمع من المثقفين العرب، لا يتمالك إلا أن يشعر بهول المذلّة لأنه، في شكل أو في آخر، مسؤول عن الكارثة و”مذنبٌ” فيها، لا لشيء سوى لأنه عربي.

ربع صفحة، معدّل ما يقرأه العربي سنوياً. 6 دقائق معدّل القراءة للعربي في العام الواحد (12 ألف دقيقة معدّل الغربي). ازداد عدد الأميين في العالم العربي 30 مليوناً بين عامي 2005 و2008 (منظمة الأونيسكو): أرقام لها وقع المسامير في العقل والروح، تلقيتُها شخصياً كشتائم، ووددتُ لو أن الأرض تنشقّ وتبتلع في تلك اللحظة.

هذا لأقول مدى أهمية مشروع كمشروع “كتاب في جريدة”، ومدى ضرورته الجوهرية وسط القحط الذي نتخبّط فيه. أصدر الى اليوم 116 كتاباً تم توزيعها في جميع العواصم العربية بمعدل يتجاوز مليوني نسخة لكل إصدار. مشروعٌ اكتشفتُ أكثر فأكثر شفافيته وموضوعيته من خلال مشاركتي في جلسات النقاش التي دارت بين أعضاء الهيئة الاستشارية وممثلي الصحف الشريكة، بغية اختيار كتب السنوات الثلاث المقبلة.

مشروعٌ جدير بالتكريم، جدير بالحياة، ولِمَ لا؟ جدير بالحسد أيضاً، علّ الحسد يحوّله عدوى، فـ”وباء”. وباء ما أحوجنا الى تفشّيه في عالم “الدقائق الستّ” المخزي هذا.

2

فيفا ثاباتيرو!

ستقولون إني نسوية، أعرف (ولستُ). ستقولون: أف، ما أثقل دمها وما “أفضى” بالها. ولكن، قبل أن تستنكروا، أنظروا جيدا هذه الصورة. أنظروها بربّكم. “فنجروا” أعينكم. وحدّقوا فيها. تأمّلوا هذه السيّدة تستعرض “جيشها” بملء عنفوان أنوثتها. هي امرأة. امرأة شابة. امرأة شابة حامل. امرأة شابة حامل تتولى منصب وزيرة في بلادها. ليست وزيرة للشؤون الاجتماعية. ولا وزيرة للصحّة. ولا حتى وزيرة للخارجية. لا. بل هي تحمل إحدى أشد الحقائب “فحولة”: حقيبة وزارة الدفاع.

تأملوها معي، وزيرة الدفاع الإسبانية كارمن شاكون بيكيراس، تتفقد جنوداً من كتيبة بلادها في بلدة بلاط في الجنوب اللبناني وهي حامل في شهرها السابع. نادراً ما رأيتُ في حياتي جمالاً كمثل جمال هذا المنظر: منظر يختصر، في لقطة واحدة معبّرة، جوهر ما أؤمن به: فحولة الأنوثة. إلهة الليلين.

وبما أن ما لقيصر لقيصر، فتحية من القلب، تحية تقدير وإعجاب لا بدّ منها لرئيس وزراء رائد لم يتردد في تعيين 9 وزيرات في حكومته، إحداهنّ (أي كارمن شاكون) في السابعة والثلاثين من العمر (من مواليد 13 آذار 1971)، وهي، فوق كل التحديات السالفة الذكر، حامل (اقتضى التكرار)!

فيفا ثاباتيرو!

3

ليالي الأنس

فيينا حيث نرى الناس يركضون الماراتون على وقع مقطوعات شتراوس.

فيينا حيث نقف مخطوفين أمام “قبلة” كليمت ورائعته الأشد روعة “يوديت” (ليليت حقيقية).

فيينا حيث نكتشف معرضاً عن الرياضيات والفن في متحف الفن الحديث، وأعمالا مدهشة لرومان اوبالكا وهارتموت بوم وأون كاوارا وسول لويت.

فيينا حيث نصغي الى موسيقى مارسيلو أمازوناس في نادي “بورغي أند بيس”، ونتنشّق الثقافة من مسام المدينة كلها.

فيينا حيث نتذوّق، من جديد، لذّة أن نلتفت الى أنفسنا، فنرى… آخرين.

جمانة حداد

(joumana.haddad@annahar.com.lb

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى