العراق “العبّاسي” أم الطائفي؟
سعد محيو
هل يمكن للمرء حقاً أن يكون طائفياً ووطنياً في آن؟
كلا، نحن لانتحدث هنا عن لبنان الغاطس حتى أذنيه منذ 200 سنة في توجهات وايديولوجيات طائفية لطالما زعزعت كيانه، بل عن العراق.
ففي تلك الدولة التي لم يُعرف عنها من قبل تغليب ما هو مذهبي على ما هو وطني عراقي أو قومي عربي (العديد من القبائل والعشائر منقسمة بالتساوي إلى سنّة وشيعة)، بات الانتماء الطائفي هو بطاقة الدخول الوحيدة إلى عرين السياسة كما إلى جنّة السلطة.
اليافطة العريضة الذي تجري تحتها عملية الفرز الطائفي هذه هي “اجتثاث البعث”. لكن، وكما دلّ قرار “هيئة المساءلة والعدالة”، ما يجري اجتثاثه بالفعل هو أي طرف يرفض السياسات والتحالفات الطائفية، ويُعلي من شأن العمل الوطني اللاطائفي أو العلماني.ففي السابع من كانون الثاني/ يناير الماضي، منعت الهيئة 15 حزباً سياسياً ونحو 500 من الأفراد من خوض الانتخابات البرلمانية المقررة في آذار/مارس، على أساس أنهم كانوا مرتبطين بنظام صدام حسين أو مدافعين عنه. التفاصيل لاتزال غامضة، لكن القرار الذي اتخذته هيئة تسيطر عليها قوى طائفية، يؤثّر على العديد من الشخصيات العراقية والأحزاب البارزة، ما يؤكد الطابع الطائفي المتزايد للانتخابات المقبلة. كما أن القرار يجعل من المرجح أن تُسجّل بعض الأحزاب والمرشحين الفئويين نتائج سيئة في الانتخابات، الأمر الذي سيفاقم من تعقيد عملية المصالحة الوطنية الصعبة أصلا.
الهيئة بررت قرارها بالمادة السابعة من الدستور التي تنص على أنه “لايجوز لأي كيان أو قائمة، تحت أي اسم كان، أن تعتمد العنصرية والإرهاب، وتكفير الآخرين، والتطهير العرقي، أو التحريض عليه وتسهيله وتمجيده وتشجيعه، أو تبريره، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، بغض النظر عن الاسم الذي تعتمده”.
لكن، حين نعلم أن رئيس الهيئة علي اللامي، هو عضو في الائتلاف العراقي الطائفي ومرشّح عنه في الانتخابات، وحين نضع في الاعتبار أن قرار الاستبعاد تركّز أساساً ضد قوميين عرب لاطائفيين كصالح المطلك أحد رؤوس الحركة الوطنية العلمانية وسعد الجنابي، وتسامح مع ترشّح أفراد ميليشيات “الصحوة” الذين كانوا وثيقي الصلة بصدام حسين، ندرك كم كان هذا القرار مسيساً بشكل فاقع وكم كان طائفياً بشكل خطر.
ماذا يعني هذا التطور؟
أمراً واحداً: ثمة قوى سياسية عريضة في العراق باتت لها مصلحة حقيقية (سياسية واقتصادية) في تجذير الطائفية السياسية وتأبيد الانقسامات الاجتماعية. وهي في الغالب تتقاطع مع المصلحة الأمريكية التي أطلقت منذ اليوم الأول للغزو الوحش الطائفي من عقاله وسلمّته مقاليد الأمور في البلاد.
لكن، هل يمكن للعراق أن يستقر في ظل هكذا تركيبة طائفية؟
أجل، إذا مانجح أحد في الإثبات أن الطائفية يمكن حقاً أن تصنع وطناً، أو أن المذهبية الانقسامية يمكن أن تكون قوة توحيدية. بيد أن هذا سيكون من رابع المستحيلات: فإن تكون طائفياً أو مذهبياً، حتى ولو كنت “معتدلاً”، يعني أن تُقصي الآخرين أو حتى تستبيح دمهم. إنها المعادلة نفسها التي طرحها صموئيل هانتيغتون في “صدام الحضارات” والتي لا تُسفر سوى عن الحروب الدائمة بين الجميع ضد الجميع.
هل تراث بلاد العباسيين الهائل يسمح بهكذا مصير بائس؟
الخليج