بوّابات الشرق الأوسط
محمد إبرهيم
محاولات استئناف المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية بات يحكمها سقف اعتراف الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن ادارته بالغت في توقعاتها المتفائلة.
وفي الاعتراف ذاته إقرار بأن بنيامين نتنياهو ومحمود عباس مكبّلان بالاتجاهات المتشدّدة داخل الحكومة الاسرائيلية وفي العلاقة بين “فتح” و”حماس”.
ولأن المبالغة في التفاؤل تقتضي العودة الى الواقعية، فإن المشروعات التي حملها المبعوث الأميركي الخاص الى الشرق الأوسط جورج ميتشل هي ما دون المفاوضات المباشرة حول الوضع النهائي.
إنها مفاوضات غير مباشرة، بواسطة ميتشل نفسه، تنقل النقاش، ربما، من شروط استئناف المفاوضات، الى قضايا المفاوضات نفسها.
أو هي مفاوضات مباشرة عند مستويات أدنى تذكّر بالمفاوضات السريّة غير الملزمة حيث كان مندوبو الطرفين يتناقشون “بحرية” من دون ضغط الانتظارات الخارجية. اي من خارج طاولة المفاوضات.
هذه البدائل تناسب أيضاً ما لم يقله أوباما وهو ارتفاع سقف التفاوض لدى الطرفين. فمن ناحية لم يعد مفهوماً ما يعنيه نتنياهو بالدولة الفلسطينية بعد عرض تصوراته للوجود الاسرائيلي داخلها وعلى كل حدودها.
ومن ناحية ثانية تغيرت جذرياً علاقة المفاوض الفلسطيني (محمود عباس) بالمعارضة الفلسطينية (“حماس”) حيث باتت مواقفها وتصوراتها جزءاً من المفاوضات كما أثبتت تجربة تجاهلها عندما راهن عباس على الدور الاميركي، وعلى التنازلات الفلسطينية لتسهيل مهمة أوباما.
التواضع الأميركي المستجد يعني اننا سنكون في السنة الرئاسية الاميركية الثانية أمام ما يشبه المفاوضات بحثاً عن نقاط يمكن تحقيق تقدم فيها وتقديمها على أنها ثمار للمقاربات الأميركية الجديدة.
وإذا كانت الايجابية الأولى للمشاريع الجديدة هي إبقاء ميتشل منشغلاً، بما يرد على شائعات انه سيكون مكرها على الاستقالة، فإنها في المقابل تضع حداً لتصورات أخرى سادت مطلع ولاية أوباما “الأولى”.
كان هناك شبهة أن حل القضية الفلسطينية يشكل المدخل الصحيح للسياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط.
وعندما كان المتشائمون يذكّرون بأن القضية الفلسطينية أشد استعصاء من أن تشكل مدخلاً لحل معضلات شرق أوسطية أخرى، كان الجواب جاهزاً: على الأقل ينبغي أن تكون المفاوضات المباشرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين المناخ الذي يمكن استثماره للتقدم في الملفات الأخرى، والمقصود ليس بقية مسارات السلام العربية بالطبع.
اليوم غلبت الواقعية وبات يمكن الاستجابة، بدون كلفة كبيرة، لما يقوله الاسرائيليون، على اختلافهم بين يمين ووسط ويسار، حول عدم وجود ارتباط بين مشكلات الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية. وانه سواء كان هناك صراع مع اسرائيل أم لا، فإن ما يحصل في العراق واليمن وافغانستان والصومال… كان سيحصل لأن أسبابه موجودة في معطيات محليّة بعيدة كل البعد عن “الصراع العربي – الاسرائيلي”.
من هنا نجد فارقاً في الحيوية، بين طريقة تعامل الادارة الاميركية مع القضية الفلسطينية وباقي الملفات الشرق الاوسطية. وفي مقابل الطموحات المحدودة في الأولى تتبلور نظرية، بل نظريات حول طريقة التعامل مع ما يجري في بقية المواقع “الساخنة”.
لا يحظى حلفاء أميركا في كل من العراق واليمن وافغانستان وباكستان بتفهم لصعوباتهم كما يحظى بذلك كل من نتنياهو وعباس.
فالادارة الاميركية مشتبكة مع حكومة المالكي حول الموقف من قضية اجتثاث البعث، اي استمرار تهميش السنّة العراقيين، وقد اكتشفت الادارة الاميركية الحالية ان الخطأ الأكبر للادارة السابقة كان الرد على الحصرية السنية للسلطة بحصرية شيعية مقابلة.
والادارة نفسها مشتبكة مع نظام الرئيس علي عبد الله صالح لأنه يبالغ في فتح الجبهات مما يجعل الجبهة الوحيدة ذات المعنى لأميركا، أي “القاعدة”، مرشحة للضياع، ولأنه لا يقدم اطاراً مقبولاً لاستقبال المساعدات الخارجية وجعلها تصل الى غاياتها.
والاشتباك مع حميد كرزاي الافغاني هو الأشهر في الفترة الأخيرة حيث يبدو الأخير مؤمناً بقدرة الدولة المركزية الأفغانية أكثر بكثير من المحتل الأميركي الذي اكتشف بعد عقود من “الممارسة الافغانية” ان افغانستان مبعثرة ولا أمل بحكمها إلا بـ”لويا جيرغا” حكومية. وصولاً الى الاشتباك الأقدم مع الحكومة الباكستانية التي يطلب منها اميركياً ان تضرب القاعدة التي استند اليها النظام، ونقطة قوته الاقليمية في مواجهة الهند، وللإثنين اسم واحد هو “طالبان”.
السلام مع نتنياهو وعباس في مقابل “الحرب” على الآخرين آخر مظاهر ان هذه الادارة الاميركية اقتنعت باكراً، ان فلسطين مستعصية، وان الشرق الأوسط بوابات لا يوصل أي منها الى الأخرى.
النهار