صفحات العالم

الشرق الأوسط “التاريخي” يُبعث حيّاً

سعد محيو
تساءلنا بالأمس: أيّ حصيلة محتملة يُمكن أن تتأتى عن هذه التمخضات الدولية  الإقليمية الراهنة في الشرق الأوسط؟
قبل الإجابة، وقفة أولاً أمام الخلاصات الرئيسة المهمة التي خرج بها مُنظّر المحافظين الجدد والليكوديين القدماء برنارد لويس في كتابه “الشرق الأوسط”:
“دروس ما بعد الحرب الباردة باتت واضحة: الولايات المتحدة قد تعمل بنشاط للدفاع عن مصالحها الخاصة، كالنفط والأسواق و”إسرائيل”، وهي مصالح ستتحدد عن طريق التجربة والخطأ. عدا ذلك، ستكون حكومات وشعوب الشرق الأوسط من الآن فصاعداً مسؤولة عن نفسها، إذ إن الشرق الأوسط أصبح مكاناً أكثر حرية ولكن أكثر خطراً أيضاً”.
“دول القوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان عادت إلى الارتباط بالشرق الأوسط الكبير، بعد قرون من الهيمنة القيصرية ثم السوفييتية الروسية عليها. وهذا عنى في الدرجة الأولى بث الروح في العالم التركي الكبير الممتد من الأناضول إلى حدود الصين، وأيضاً في العالم الفارسي الثقافي  الحضاري الكبير في تلك المنطقة”.
“للمرة الأولى منذ قرنين، ستكون شعوب الشرق الأوسط قادرة على تقرير مصيرها بنفسها. فهي قد تُنتج قوى إقليمية جديدة قد تتعاون بسلام، أو قد تتنافس بعنف مع بعضها بعضاً. وهذا سيسفر إما عن المزيد من التفكك والبلقنة والصوملة في الشرق الأوسط، أو عن التوّحد والتسويات. وحتى إشعار آخر، لن تتدخل القوى الكبرى لحسم الأمور لصالح هذا الاحتمال أو ذاك”.
هكذا أطّل لويس على الشرق الأوسط في العام ،1995 ولو أنه قرر الإطلالة مجدداً على المنطقة في العام ،2010 لما غيّر على الأرجح حرفاً مما قال. لا بل هو سيكون أكثر انطلاقاً في الحديث عن كون الشرق الأوسط متروك لمصيره الخاص، بفعل انتقال النظام الدولي من حقبة الهيمنة القطبية الأمريكية المنفردة إلى عالم متعولم متعدد الأقطاب.
هذا المصير الخاص يعني هذه الأيام أمراً خاصاً واحداً: كيف ستقرر “إسرائيل” التعاطي مع العودة الكاسحة الحالية للعالم التركي الشاسع والعالم الإيراني التاريخي إلى ساحة الفعل في حلبة الشرق الأوسط الكبير: هل ستقاومه بقوة السلاح (إيران) أو بتحريك الداخل الأمريكي الاقتصادي والدبلوماسي ضده (تركيا)، أم أنها سترضخ في نهاية المطاف لحقيقة بزوغ تعددية قطبية جديدة في المنطقة؟
حتى الآن، لا تزال كفة الميزان “الإسرائيلي” تميل إلى الخيار الأول. ف”إسرائيل” تبدو هذه الأيام كطفل أناني أفسدت تربيته إلى حد أنه يريد منع كل الأطفال الآخرين، ليس فقط من مشاركته في ألعابه الوفيرة، بل حتى أيضاً من الحصول على ألعاب خاصة بهم. ولذا، فهي تخبط خبط عشواء، فتستفز حتى الإذلال السفير التركي، وتشحذ السيف في وجه إيران، وتدير الظهر لسلام مغرٍ مع مليار ونصف مليار مسلم.
وهذا يعني أن الصراع الإقليمي الحاد سيكون سيد الموقف حتى إشعار آخر. لكن، يمكن القول وبثقة من الآن إن “إسرائيل” تحرث في الماء. فهي لن تستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لأن هذه العقارب عادت أصلاً إلى المرحلة التي كان فيها مصير الشرق الأوسط معقود الولاء للثلاثي الإسلامي التاريخي التركي  العربي  الفارسي.
والآن، ومع بدء الانحسار النسبي للقوة الأمريكية، سيكون الفشل “الإسرائيلي” في حكم المؤكد.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى