الدور الإيراني والعلاقة الإيرانية ـ السّوريةصفحات العالم

حشد أميركي لإيران

ساطع نور الدين
لا يبدو ان اميركا تمزح او تتسلى، بل هي جدية جدا في ما باتت تقوله علنا وما صارت تفعله على ارض الواقع في مواجهة ذلك الاحتمال المستوحى من خيالها الخصب وسلوكها الأخرق: أن تبادر إيران نفسها الى شن الحرب، إما بشكل مباشر ومن خلال الهجوم على القوات الاميركية المنتشرة على تخومها البرية والبحرية، او بواسطة وكلائها مثل حزب الله وحركة حماس، من خلال ضرب إسرائيل او أهداف عربية موجعة للأميركيين.
الترويج الأميركي للفكرة القائلة ان المبادرة الى الحرب قد تأتي من طهران لم يعد يقتصر على بعض الرؤوس الحامية في واشنطن. لم يعد أدنى شك في ان اميركا التي اخترعت الخطر الايراني ووجدت في بعض رموز السلطة في طهران من يساعدها في تضخيمه، تدفع الآن نحو المواجهة، او على الاقل نحو حسم ذلك الملف المعلق منذ ان بدأت حملتها العسكرية على العالمين العربي والاسلامي في أعقاب هجمات 11 أيلول العام 2001.
الحشد العسكري الاميركي في مياه الخليج وفي البلدان العربية المطلة عليه، اكتمل. هو حتى الآن يتخذ طابعا دفاعيا ويتمثل في نشر أنظمة درع صاروخي شامل في البحر وفي اربع دول خليجية، ويختلف عن ذلك الحشد الذي ارسله الرئيس الاميركي السابق جورج بوش قبل ثلاثة أعوام بالتحديد وشمل نشر ثلاث حاملات طائرات في محيط ايران على رأس اسطول بحري وجوي جاهز للهجوم فور صدور الامر.. لكنه اليوم قد يكون اشد خطرا وأبعد اثرا من اي وقت مضى.
والحق يقال ان الحشد الاول، الذي نظمه بوش، ساهم الى حد بعيد ومن دون توجيه الضربة الاولى، وبالاكتفاء بالترهيب والحصار والحرب النفسية، في تواضع ايران وفي تحولها من دولة اقليمية عظمى تسعى الى مد نفوذها بعيدا جدا عن حدود مصالحها القومية، الى دولة قلقة يسودها الاضطراب الداخلي والانقسام بين جمهور تعب من الطموحات المفرطة وبين سلطة تعتبر ان مثل هذه الطموحات هي سلاحها الدفاعي الاخير.
يمكن إدراج الحشد الأميركي الحالي في هذا السياق، أي في سياق الحرب النفسية التي تصاعدت طوال الاعوام الثلاثة الماضية، وأدت الكثير من أغراضها الاقليمية والنووية، بحيث باتت طهران مستعدة لشراء اليورانيوم المخصب من الخارج لمفاعلاتها الصغيرة، وهو ما يرجح ان يتم الاتفاق عليه خلال الاسابيع المقبلة، اذا ما وافق الغرب على حفظ ماء وجه القيادة الايرانية.. لكن احدا لا يمكنه ان يستبعد من الآن فصاعدا احتمال نشوب حرب عن طريق الخطأ او الصدفة، كما هي العادة في معظم الحروب، او نتيجة رغبة طرف ثالث غير الأميركيين والإيرانيين الذين كانوا وما زالوا ملتزمين بقواعد لعبة دقيقة، تحافظ على الكثير من المصالح المشتركة وغير المعلنة بينهما، سواء في أفغانستان او العراق او حتى في أماكن عربية وإسلامية اخرى.
اما القول بأن توقيت هذا الحشد جاء مع الذكرى الحادية والثلاثين للثورة الايرانية والاضطرابات الداخلية التي يمكن ان تشهدها، فإنه من البديهيات، ومن ألف باء التعامل الأميركي مع ذلك الشعب الخائف على مستقبله.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى