اسرائيلالتفاوض السوري الإسرائيليصفحات العالم

ماذا بين سطور رسالة دمشق إلى «زعران» تل أبيب؟

عماد مرمل
خلع وزير الخارجية السوري وليد المعلم القفازات الدبلوماسية وارتدى «البزة المرقطة» لبعض الوقت في معرض رده على وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك الذي كان قد اعتبر أنه «في ظل غياب التسوية مع سوريا، قد نصل معها الى مواجهة عنيفة، يمكن أن تتدهور الى حرب شاملة».
وبدا جلياً أن المعلم كان حريصاً على أن تصل الرسالة بوضوح الى «زعران» تل أبيب، مستخدماً لغة لا تحتمل الالتباس في التفسير: «أي حرب تبدأها إسرائيل ضد جنوب لبنان أو سوريا ستكون شاملة وستنتقل الى مدنكم، فلا تختبروا عزم سوريا، وعودوا الى رشدكم..».
واللافت للانتباه، أن هذا الموقف الحازم جاء على مسمع من وزير الخارجية الاسباني ميغيل أنخيل موراتينوس الذي سمع أيضا من الرئيس بشار الأسد كلاما مفاده أن تل أبيب تدفع في اتجاه الحرب لا السلام. إذاً، لقد تقصد السوريون أن يبعثوا نسخة ثانية من الرسالة التحذيرية الى الأوروبيين وضمناً الى الأميركيين الذين يكثرون من الرحلات الدبلوماسية العقيمة الى المنطقة، فيما يتهيأ سفيرهم الجديد المعين في دمشق للوصول الى مقر عمله.
يشعر السوريون أن وتيرة التهديدات الإسرائيلية آخذة بالتصاعد منذ فترة الى أن لفحت رياحها الساخنة دمشق، بعدما كانت تتوقف عند حدود غزة حيناً وجنوب لبنان حيناً آخر. والأسوأ من ذلك، أن قادة العدو ظهروا وكأنهم يستفيدون من العجز الأميركي عن تحقيق أي اختراق سياسي أو ممارسة أي ضغط جدي لإطلاق عملية التسوية، كي يملأوا «الفراغ المتمادي» بالصوت العالي وسيناريوهات الحرب المفترضة.
أدركت دمشق أن الوقت قد حان لتقول كلمتها بعدما «طفح الكيل»: لا تتوهموا أن بإمكانكم أن تستفردوا بسوريا أو لبنان أو غزة في أي حرب مقبلة، ولا تتوهموا أن بمقدوركم حسم المواجهة بالضربة القاضية.
استرعى هذا الموقف، الشديد اللهجة، انتباه المتابعين للأدبيات السورية، كونه عبّر عن ارتفاع ملحوظ في سقف الخطاب الرسمي قياسا الى اللغة المعتادة للدبلوماسية السورية خلال السنوات القليلة الماضية، وخصوصا في مرحلة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل. ويعكس هذا التطور الحاصل ـ حسب المطلعين ـ أمرين هما:
الأول، أن دمشق أدركت وجوب الرد القاسي على باراك بعدما سمى سوريا بالاسم في معرض تلويحه بإمكانية وقوع حرب، ما جعل المسألة مسألة كرامة يجب حفظها بالدرجة الأولى.
الثاني، أن سوريا بلغت درجة من الجهوزية العسكرية، باتت تتيح لها تحمل مسؤولية إطلاق تحذير واضح الى إسرائيل بأنها تستطيع أن تتحكم ببداية الحرب ولكنها لا تستطيع أن تتحكم بنهايتها، وصولا الى التهديد بأن مدنها ستكون تحت مرمى الصواريخ السورية.
ويؤكد العارفون أن الرئيس بشار الأسد استلم الجيش السوري وهو في حال معينة، لينقله الى حال أخرى مختلفة كليا، بعدما خضع الى عملية ترشيق وتطوير، كاشفين عن نقلة نوعية حصلت في استراتيجيات هذا الجيش وتكتيكاته، جعلته يكتسب عنصري قوة، كان يفتقر إليهما في الماضي: المرونة في القتال الميداني، وعامل الصواريخ.
ويجزم هؤلاء بأن القيادة السورية ما كانت لترفع سقف لهجتها لولا ثقتها في المعطيات العسكرية التي تملكها، من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن الحرب واقعة غدا، ولكن ما هو أكيد أن دمشق وحزب الله أصبحا في وضعية نموذجية لخوض المواجهة متى حصلت، مع تأكيد المقربين منهما أن تعزيز الجهوزية يشكل مهمة مستمرة لا تتوقف وهي ستتواصل بأشكال مختلفة تحسبا لكل الاحتمالات.
ويبدو أن سوريا تعلم جيدا أن دخولها الحرب لا يتوقف فقط على استهدافها مباشرة في أراضيها، بل هو سيكون أيضا نتيجة تلقائية لأي عدوان تشنه إسرائيل على حزب الله، حيث إن المواجهة ستتدحرج عندها ككرة الثلج لتصبح شاملة بقوة الدفع الميداني بالدرجة الأولى، قبل الكلام عن تأثير العنصر الآخر والمتعلق بالتلازم العضوي بين ساحات الممانعة، من طهران الى غزة مررواً بدمشق وبيروت.
ووفقا لأحد السيناريوهات المرجحة، فإن الجيش الإسرائيلي سيحاول، إذا قرر خوض مغامرة ضرب حزب الله، قطع الأوصال بينه وبين العمق السوري، من خلال التقدم عبر محورين: الأول من حاصبيا في اتجاه عنجر ـ المصنع، والثاني من البقاع الغربي في اتجاه شتورة ـ رياق وصولا الى تخوم بعلبك وبعض النقاط في الهرمل.
ومؤدى ذلك، أن خط الدفاع المتقدم عن دمشق، والمتمثل في البقاع اللبناني سيكون عرضة للخطر الإسرائيلي المباشر، وهذا ما لا يمكن سوريا أن تحتمله لانه يشكل مسّا بأمنها القومي وبخاصرتها الحيوية، وبالتالي فإن المواجهة ستتوسع حكماً وسينضم اليها الجيش السوري، علماً بأن مسرح العمليات قد يتمدد ليشمل إيران كذلك إذا اتخذت التطورات والحسابات منحى دراماتيكيا.
ولكن، هل الحرب التي تهدد بها إسرائيل هي واردة بالفعل، أم أن الأمر لن يتعدى حد التلويح بها من باب التهويل أو الابتزاز؟
هناك بين المتابعين بدقة للوضع الإسرائيلي من يعتبر أن كلام باراك الأخير الذي طال سوريا إنما يمكن أن يقود ـ خلافاً لما هو شائع ـ الى استنتاج مغاير فحواه أن وزير الحرب أراد أن يقول لمن يعنيه الأمر في الكيان الإسرائيلي إن استمرار انسداد شرايين التفاوض والتسوية مع سوريا قد يقود الى مواجهة شاملة ومكلفة، وكأنه كان يرغب في أن يوحي بأن هناك ضرورة لإعادة النظر في خيار إهمال المسار السوري، تجنباً للأسوأ.
وبمعزل عن مدى دقة هذه القراءة أو عدمها، تتقاطع التقديرات لدى المقاومة في لبنان والمقربين من سوريا عند تغليب الاحتمال القائل بأن الحرب القريبة غير متوقعة، برغم كثرة الكلام عنها، وذلك لاعتبارين على الأقل، أحدهما ميداني ويتصل بعدم اسكتمال الجيش الإسرائيلي كل استعداداته العسكرية وحاجته الى مزيد من الوقت لإتمامها، والآخر سياسي ويتعلق بحسابات الإدارة الأميركية التي ما زالت تعطي الأولوية لدفع مسار عملية التسوية الى الأمام برغم افتقادها للفعالية المطلوبة حتى الآن، والأرجح أن الرئيس أوباما لن يعطي الضوء الأخضر لأي حرب قبل اتضاح الصورة في المنطقة، لا سيما إذا اعتقد أن نجاح الضغوط التي تمارس على محمود عباس لدفعه الى السير في مشروع اتفاق مع بنيامين نتنياهو قد يجعل الأولوية تنتقل من شطب حزب الله الى شطب حركة حماس في غزة من المعادلة، تسهيلا لمرور التسوية المفترضة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
والى أن تتبلور المعطيات بشكل أدق، توقفت أوساط سياسية مقربة من المعارضة عند التناغم غير المفتعل بين الموقف السوري الحازم وموقف الرئيس سعد الحريري المماثل حيال التهديدات الإسرائيلية التي تستهدف لبنان، وكان آخرها ما عبّر عنه في مقابلته الأخيرة مع ردايو مونتي كارلو، فيما كان أحد السياسيين يجري مقارنة أظهرت فارقاً كبيراً بين لغة الحريري كرئيس لمجلس الوزراء وتلك التي اعتمدها الرئيس فؤاد السنيورة خلال توليه رئاسة الحكومة حيال ملف الصراع مع إسرائيل وسلاح المقاومة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى