اسرائيلالتفاوض السوري الإسرائيليصفحات العالم

المفاجأة السورية

سليمان تقي الدين
تصاعدت النبرة السورية في وجه إسرائيل بعد حرب تموز (2006) وحرب غزة (نهاية 2008) خاصة حين أعلنت تركيا انزعاجها من عدم صدقية التعامل الإسرائيلي ووقف المفاوضات غير المباشرة بينها وبين سوريا.
تصرّف الرئيس السوري على أنه شريك فعلي في إنجازات المقاومة لأن دمشق تحتضن قيادة «حماس» والظهير الخلفي للمقاومة في لبنان وبعض فصائل المقاومة العراقية، وإليها يتوجه الغرب بصورة رئيسية لمعالجة ملفات فلسطين ولبنان وإلى حد ما العراق. كما أن دمشق مؤخراً بعد تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية صارت حاجة عربية لفتح أبواب الحوار مع إيران حول قضايا عدة منها ملف اليمن والحوثيين.
حين بدأ الموفدون الغربيون يأتون إلى دمشق فرادى وزمراً في طلب التعاون ووقف «التصعيد» كما يقول المسؤولون السوريون، زادت دمشق ثقتها بنفسها وبسياساتها وعززت من خطواتها السابقة فتمسكت أكثر بخيار احتضان المقاومات واندفعت بسرعة أكبر لتعزيز علاقاتها بتركيا العائدة إلى المنطقة بما يشبه الانفصال الفعلي عن سياسات الغرب ومصالحه.
اطمأنت دمشق قبل نهاية عهد الرئيس الأميركي السابق (بوش) إلى أن الأميركيين يبحثون عن استراتيجيات خروج من الحرب المباشرة. في دمشق وطهران هناك تقدير للموقف يعتبر الحرب الأميركية منتهية إلا إذا استطاعت إسرائيل «توريط أميركا» في مثل هذه الحرب الشاملة. هذا هو المفتاح أو الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية السوري عندما قال: «إذا أقدمت إسرائيل على شن حرب على جبهة ستقابل بالحرب الشاملة».
الرسالة غير المباشرة هنا لأميركا وليس إلى إسرائيل فقط. في هذه الحرب ستكون المدن الإسرائيلية كلها في مرمى كثيف للصواريخ، والطيران الإسرائيلي لم يعد قادراً على حسم النتائج كما قال الرئيس السوري (لسيمور هيرش). استراتيجية الحرب بالصواريخ باتت شاملة وهي تقوم على استغلال نقطة الضعف الأساسية للعدو. نقل الحرب إلى أرضه مع كل المضاعفات والتداعيات المعروفة على الكيان الصهيوني جراء سقوط مقومات أمنه الداخلي.
أصداء الموقف السوري تتفاعل في تل أبيب وواشنطن. إذا كانت إسرائيل غير قادرة على ضمان حصر الحرب واستفراد طرف من أطراف المواجهة فهي لن تشن حرباً أبداً بمفردها. لا حرب في الأفق إلا الحرب الشاملة التي تتورط فيها أميركا، وهي غير قادرة عليها في المدى الزمني المنظور، ليس بمعيار القوة العسكرية التدميرية، بل بمعيار المضاعفات الأمنية والسياسية والاقتصادية. الحرب لم تكن يوماً حدثاً عسكرياً فقط، هذه هي تجربة احتلال العراق وحرب تموز في لبنان وسواها.
كان التحذير السوري مهماً وحاسماً والأرجح أنه في توقيت مدروس لوقف اندفاعة إسرائيل إلى الحرب على لبنان كما تجمع المصادر الدولية في الربيع المقبل. إنه موقف يسجل لسوريا مجدداً للمساهمة في حماية لبنان. إنه تحذير يلجم إسرائيل وبالتأكيد يجعلها تعيد حساباتها وخططها. انفعال وزير الخارجية الإسرائيلي (ليبرمان) وتهديداته لسوريا تنتمي إلى زمن مضى حين كانت إسرائيل تحدد مكان الحرب وزمانها وخارج حدودها. طبعاً من يستبعد الحرب بالمطلق لا يرى تعقيدات المنطقة وحجم المشروع الأميركي وأهمية ذلك على بناء النظام العالمي بقيادة أميركا. كل حرب تنطوي على الكثير من الحسابات والمغامرة. الحرب جارية في المنطقة أصلاً بصور وأشكال مختلفة، عبر إدارة صراعاتها ونزاعاتها. أميركا ما زالت تحاصرنا من المحيط إلى الخليج. تعمّق ارتباطها بالأنظمة الموالية لها وتقدم لها التطمينات والحماية الأمنية وتبتزها بالتحديات لامتصاص خيراتها وتوسّع سوق أسلحتها. تدير الصراعات الإثنية والطائفية والقبلية والجهوية وتوسّع تدخلها الأمني تحت عنوان مكافحة «القاعدة» و«الإرهاب». كما يحصل في اليمن مؤخراً.
تحرّض على الدول الممانعة لسياستها باسم حاجات التنمية والديموقراطية والحرية حيث يطيب لها ذلك، كما مع إيران، وتستخدم فكرة التعددية كنموذج. تتوسل فورة الإسلام السياسي لتعميق الفكر المذهبي وصولاً إلى انشقاق يعم المنطقة باسم النزاع على السلطة كما في العراق. توزع المنطقة على مربعات أمنية وتعمل على تفكيك فكرة الأمن القومي العربي، من السد أو «الدرع الفولاذية» المصري على حدود غزة إلى «الدرع الصاروخية» في الخليج من دون أن ننسى المشكلات الأمنية في دول القارة الأفريقية. يتمسك الرئيس الأميركي (أوباما) بالدور القيادي العالمي ويرفض أن تتزحزح أميركا عن مرجعيتها إلى الدرجة الثانية أو إلى الشراكة في نظام دولي متعدد الأقطاب. يتعامل مع إسرائيل كالوديعة الأعلى قيمة وأهمية في المنطقة ويؤكد دمجها بالأمن القومي الأميركي. ينكفئ عن التعامل الجدي لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي ويقترب أكثر من النظرة الإسرائيلية إلى الحل على الجانب الفلسطيني.
لم تكن التهديدات الإسرائيلية من قبل إلا بهدف ردع العرب عن أي حراك لحظة تبدأ جولة جديدة من تجذير اقتلاع الفلسطينيين بالاستيطان وباستئناف أشكال من الحرب الجديدة على غزة لتطويع الوضع الفلسطيني كله. كانت ثمة حرب تلوح في الأفق على الجبهة الفلسطينية وعلى لبنان مجازة أميركياً ويحضّر لها المسرح السياسي اللبناني، وكان بعث الرسائل إلى سوريا باحتمالات توسيع المواجهة بهدف تحييدها. نتنياهو وباراك وليس فقط ليبرمان تحدثا عن احتمالات توسيع الجبهة في محاولة استطلاع عن احتمالات حصر المواجهة على أرض لبنان كما في حرب تموز 2006. جاء الرد السوري حاسماً، لن تكون سوريا خارج المواجهة. لن تكون الخطة الإسرائيلية لحرب مسرحها الرئيسي البقاع اللبناني كما تسرّب من معلومات إلا حرباً مع سوريا. هل تجيز أميركا مثل هذه الحرب في ظل ارتباكها الحالي عن حصر تداعيات حربها في العراق وأفغانستان؟ وفي ظل حاجتها للتعاون مع سوريا وإلى حد ما إيران؟ الجواب سلبي حتى الآن…
ربما كان الموقف السوري الواضح المفاجأة الأساسية لحسابات إسرائيل وأميركا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى