دمشق وتل أبيب على حافة ماذا؟
سعد محيو
ليست هذه المرة الأولى التي تتراقص فيها سوريا و”إسرائيل” على شفير الحرب، في ذروة الأحاديث عن السلام بينهما .
ولن تكون هذه المرة الأخيرة التي تكون فيها المسافة بين الحرب والسلام بينهما، متساوية ومتساوقة إلى حد كبير .
هذا كان الحال بين الطرفين، منذ أن جمّدت اتفاقات فصل القوات في الجولان، التي أشرف عليها هنري كيسينجر غداة حرب ،1973 الموازين الاستراتيجية بينهما: فلا الحرب الشاملة باتت واردة، ولا السلام الشامل كان مُمكناً، أو حتى مرغوباً فيه .
صحيح أن الغزو “الإسرائيلي” الشامل للبنان العام 1982 هزّ هذه المعادلة، خاصة حين دخلت القوات “الإسرائيلية” منطقة البقاع وحاصرت بيروت، إلا أنه لم يُلغها . إذ سرعان ما تراجعت تل أبيب عن هذا الخرق الفاقع لاتفاقية الخطوط الحمر الضمنية التي أبرمتها مع دمشق العام ،1976 فعادت الأوضاع إلى حال الجمود الاستراتيجي المعهود .
وصحيح أيضاً أن الطرفين خاضا العديد من الحروب بالواسطة طيلة 30 عاماً، إلا أن هذا كان أشبه بالحرب الباردة السابقة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، حيث المجابهة الثنائية الشاملة كانت غير مُتخيّلة فحلّت مكانها الحروب بالوكالة .
هل تعني هذه المعطيات أن التهديدات المتبادلة الأخيرة بين دمشق، على لسان رئيسها الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم، وبين تل أبيب متمثّلة بوزير خارجيتها ليبرمان، لن تكون سوى خربشات عابرة على لوحة الجمود الاستراتيجي الثابت؟
أجل، أو هذا على الأقل هو المُرجّح .
ومع ذلك، ليست هذه التهديدات مقطوعة الصلة بالتطورات العامة في الشرق الأوسط، بل هي ربما تصب في قلبها .
فحين حذّر الرئيس السوري من أن “إسرائيل” تدفع المنطقة في اتجاه الحرب بدلاً من السلام، كان يتحدث أولاً عن معلومات حول الخطط العسكرية “الإسرائيلية” لضرب إيران ومعها ربما لبنان، وكان يبدي ثانياً (وإن ضمناً) خشيته من أن يتم جر سوريا إلى هذا الحريق الإقليمي الجديد .
وحين هدد ليبرمان ليس بشن الحرب على سوريا وحسب، بل تغيير نظامها أيضاً، كان هو الآخر يحاول تخويف دمشق لمنعها من التفكير في التدخل في حال أشعلت “إسرائيل” هذا الحريق . هذا إضافة إلى أن ليبرمان كان يحاول، على مايبدو، إجهاض توجّه في المؤسسة الأمنية والعسكرية “الإسرائيلية” لإبرام سلام مع سوريا (يتضمن إعادة الجولان) بهدف التفرّغ للمجابهة مع إيران وحلفائها في المشرق العربي .
المسألة، إذاً، لاتتعلّق بحرب مباشرة محتملة بين سوريا و”إسرائيل”، بل بمضاعفات أي انفجارات عسكرية إقليمية على صيغة الجمود الاستراتيجي بين الطرفين . وثمة معلومات موثوقة بأن دمشق تضع في حساباتها أن تُقدم تل أبيب على عمليات عسكرية واسعة في لبنان قد تصل إلى مستوى حرب ،1982 وأن هذا الاحتمال سيجر سوريا حتماً إلى أتون المجابهات .
لماذا؟ ببساطة، لأن مثل هذا التطور سيشكّل خرقاً لصيغة الجمود، من ناحية، ويفرض مخاطر جمة على الدور الإقليمي السوري الذي لم يلتقط بعد أنفاسه التي كادت تنقطع عقب “المؤامرة” الأمريكية- الفرنسية عليه العام 2004 ، والتي أخرجته عسكرياً من لبنان، من جهة أخرى .
هذا بالتحديد مايُضفي جديداً على التهديدات المتبادلة الراهنة بين الطرفين، ومايكشف في الوقت نفسه عن مدى ترجرج وهشاشة ولا استقرار الأمر الواقع الراهن في الشرق الأوسط .
الخليج