ذكرى مأساة حماة الثامنة والعشرين.. سؤال برسم الإجابة.. مجرم برسم العقاب!
د.نصر حسن
يمر شباط مأساة حماه الثامن والعشرين على المدينة الخالدة كما على سورية,والجلاد عينه لازال يحكمها بالقمع والسجون والذل والهزائم والحديد والنار وتسول العار, تناسخ الجلاد وكثرت صوره وعم بلاه وظلمه الوطن بكل حمولته الاجتماعية , بلاء عام يمثل نتائج جرائمه المشينة في حماه في شباط /1982 /, وبحكم فظاعة الجرائم وهولها وتعدد نتائجها المحلية والوطنية والإقليمية, يتجدد طرح السؤال المخيف المعلق لثمانية وعشرين عاما,ولازال بدون إجابة سواء من (نظام رعاع وحثالة ) معروف أصله وفصله وفعله ودوره ووظيفته من جهة, كما من قوى وفعاليات سورية من جهة أخرى ! رغم أن الذي ارتكبه النظام في تدمير حماه هو متعدد الأبعاد في واحدة من أكبر وأبشع جرائم الإبادة الجماعية ضد المدنيين وضد الإنسانية الذي عرفها التاريخ البشري قديمه وحديثه, رافقها صمت العالم كله ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية المعنية بالشعوب في حالة الكوارث, لقد كانت تلك الجرائم بزمنها وجغرافيتها وحجمها ووحشيتها, المقدمة الدامية الرهيبة الذي تبرع فيها النظام بدماء السوريين وكرامتهم ومستقبلهم, ودفعها قسطا إستباقيا مأساويا لاستمرار بقائه في حكم سورية لهذا التاريخ بناء على وصايا خارجية لعصابة أسد إخوان .
مع كل ذكرى تفرض المأساة عودة إلى ما ارتكبه نظام الرعاع والحثالة البشرية في مدينة حماه من جرائم , لنسمع من قبل من عاصروا أفعال الجبناء ضد المدنيين والنساء والأطفال ,والذين عاثوا في المدينة قتلا وتخريبا ونهبا وسلبا ,وانتهاك الكرامة الإنسانية للأحياء والأموات على حد سواء وللنسيج الوطني الأهلي والاجتماعي تمزيقا وتقطيعا, من جديد نسمع أحاديث ونشاهد صور وتفاصيل مرعبة عن ممارسات ( جيش تحرير فلسطين ) وأشاوس الصمود والتصدي والممانعة!, ورغم بشاعة ما ارتكبوه من جرائم بحق المدنيين وصعوبة إيجاد وصفا أو تسمية أو مقارنة أو مطابقة مع الكثير من الجرائم التي ارتكبتها قوى الاستعمار والاحتلال على مر التاريخ, والتي لازالت عالقة في ذاكرة وضمير البشرية هنا وهناك,ورغم أن الجريمة تم التخطيط لها والتمهيد لها وتنفيذها بإصرار من قبل مسوخ دخلاء على تاريخ سورية وينتسبون لها ظلما وبهتانا, لا خيار متاح الآن سوى التمسك باستمرار الضغط على الجراح, والتزاما للموضوعية في معاينة حدود سلوكهم المشين الموثق الذي يصور بشاعة جرائمهم ويدل على انحطاطهم, بإصرارهم على التمثيل في الشخصية الوطنية بذاك الشكل المروع, واستباحة حرمتها وكرامتها بفخر الجناة المنتصرين على الأبرياء !ليس كثيرا ولا تجنيا أو تعصبا ,ولاحقنا في وضع داخلي محتقن وطنيا ومضطرب اجتماعيا ومنهك اقتصاديا ,بل هو وصفا دقيقا لواقع الحال يمليه الواجب الوطني والإنساني بقول الحقيقة وكشفها بوضوح وجرأة, بأن أولئك المجرمين المنفذين لها لا ينتمون إلى ثقافة سورية وشخصيتها الإنسانية على مر التاريخ, بل أثبتوا بهمجية غريبة وسادية متأصلة فيهم وبالفعل الملموس أنهم من صنفا آخر وسلالة أخرى غريبة عن سورية وطبيعتها, حان وقت الحقيقة والبراءة من المجرمين والنداء الوطني العام للكشف عنهم ومحاسبتهم أمام قضاء حر ونزيه وتخليص الشعب السوري من سرطان داخلي يتمدد سيفتك بالوطن كله إذا استمر مهملا بدون حل وبدون رفع الظلم ومحاسبة الظالمين .
سؤال مخيف ! تبرع مقدما نظام الهزائم بالإجابة المركبة عليه, وفي جزء منه استباقي تمثل بتسليم أرض الجولان الأشم مع سكانها السوريين إلى إسرائيل بدون أدنى خجل أو وجل أو الشعور بالمسؤولية أو الكرامة الشخصية حتى ,ولا نقول العسكرية أو الوطنية أو القومية التي لا يعرفها أصلا وأصم آذان أجيال بغوغائيته فيها أولا ! ودخول لبنان على دماء الشهيد كمال جنبلاط وكل رموزه الأحرار, وتدميره وتوريطه في حروب أهلية داخلية وتصفية الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية وكل رموز لبنان الحية التي فضحت مخططاته وجرائمه, وقام بتسلسل وقناعة بتعبيد الطريق لصنوه ( إرييل شارون ) باحتلال بيروت وتقاسمها معه تنكيلا وتفتيتا ونهبا وسلبا ثانيا, وثالثا وهو الهدف الأسدي الإسرائيلي الاستراتيجي المشترك بتصفية القوى الوطنية الحية في لبنان وسورية ومحيطهما, عبر تنفيذ دقيق متسلسل لوصايا أوليائه,بممارسة جرائم إنسانية هائلة صاعقة مروعة في سورية ,وتحديدا في الأماكن التي تشكل محركا للإرادة الوطنية والكرامة الإنسانية, لإرهاب الشعب السوري كله دفعة واحدة بعمل وحشي يفقده توازنه ويقصم ظهره الوطني والإنساني, يكون محصلته خلق حالة شاذة من الخوف والارتباك الذي يعمم حالة الاستلاب العام, تجهض الشعور الوطني الناهض بهدف القضاء عليه كليا وتحطيم حالة موازين القوى المادية الوطنية النهضوية التحريرية النامية وتجاوزها,وفرض حالة الخواء والخوار والنعيق والخنوع والاستسلام التي تخل بشكل كبير واستراتيجي في معادلة المواجهة مع إسرائيل لصالحها, محصلته استمرار النظام القمعي في حكم سورية, هذا هو بيت قصيده بما هو رصيد ميداني دائم لمن يحميه ويغطيه من القوى الإقليمية والدولية !.
سؤال كبير حول مأساة حماه ,أخذ أبعاد نكبة وطنية وقومية وإنسانية, يتكرر لماذا أصر النظام على مواجهة شعبه بهذا المستوى من الهمجية والوحشية والعقوبات الجماعية للمدنيين والتدمير الكامل لثلاثة أرباع المدينة, حيث قارب خلال شهر حمامات الدم عدد الشهداء خمسين ألفا معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ, وعدد المفقودين في السجون أكثر من ثلاثين ألفا وعدد المشردين مئات الألوف ؟! سؤال تجاهله الكثير على مستوى سورية وخارجها, كل لسببه غير الموضوعي وغير الوطني وغير الإنساني وغير المبرر بكل المعايير, وتركوا حماه جريحة مخضبة بدمائها وأشلائها ونكبتها ! وإذا كان من الممكن فهمه أو تمريره بعدم التعامل معها ككارثة وطنية !, فلم فشلت تلك الأطراف الداخلية والخارجية في التعامل معها ككارثة إنسانية بدون أي بعد سياسي وبالتالي ردفها بالمساعدات الإنسانية الممكنة العاجلة وتضميد جراحها الدامي النازف لثلاثة عقود,لاهذا ولا ذاك سوى مبادرات فردية حاصرها النظام بقسوة وخسة وإرهاب ومنعها من تقديم يد المساعدة لتضميد الجراح, ربما نقول ربما رضي أو خضع الكثيرين من حسنيي النية إلى فهم الجرائم كما صورها وأخرجها الجلاد,على أنها مواجهة بين نظام تقدمي وشعب رجعي!, أو بين الإسلاميين الخارجين على (القانون) ونظام وطني شرعي وقانوني لا مثيل له !,أو بين بضع أفراد من الطليعة المقاتلة (المرتبطة) مع الخارج الإقليمي وهو معروف( الخارج ) بتفاصيله ومدى قرب النظام وبعده عنه وتنسيقه معه !, أو بين التطرف والإرهاب ونظام وديع مسكين متسامح يحكم بالديمقراطية والشرعية والقانون ويحترم الإنسان والروابط الوطنية ! نظام قائم على العدالة وليس على شريعة الغاب ورموزها ووحشيتها ودنائتها !.
أكثر من ذلك من يستطيع أن يفسر سلوك ( أبطال التحرير) بقنص طفلة تلعب على باب البيت بقذيفة مدفعية ؟! من يقدم تفسيرا للمحاكم العسكرية الميدانية في الشوارع ؟! ومن أعطاها الصلاحية بقتل العشرات في الشوارع وأمام الأطفال والنساء بدون أي سبب أو أدنى حد من الاحترام للكرامة الإنسانية ؟! من نفذ تلك الجرائم بتلك الوحشية ؟! ,أي تركيب بشري نفسي فيه هم أولئك المجرمون المنفذون ؟! سوى أنهم (النخبة) الرعاعية الحثالية التي تعكس بنية النظام وأخلاقه ووطنيته ودوره على مستوى سورية وخارجها؟!.
وماذا يعني وطنيا أو سياسيا أو أخلاقيا هدم المدينة وجوامعها وكنائسها والتمثيل بسكانها الأبرياء ؟! سوى بخسا لقيمة الإنسانية والوطنية والأخلاق وقتلا للتاريخ العربي ومثالا صارخا للثأر الخارجي الذي ارتدى العباءة الوطنية والقومية , وأظهر ما بداخله من سموم وحقد على الإنسان والتاريخ وقيم التعايش التي هي صفات أساسية تكوينية تاريخية في الشعب السوري ؟!.
من نافل القول أن كل أنظمة العالم على اختلاف أشكالها الديمقراطية والديكتاتورية وما بينها تحمي الكفاءات العلمية والثقافية والتقنية والدينية وتستقطب المزيد منها لمساعدتها في الحكم وتلميع النظام نفسه عبر تحقيق نسب أعلى من التقدم العلمي والصحي والثقافي والاجتماعي حتى ضمن إستراتيجية النظام نفسه, هنا أثبت النظام أنه استثناء في الجريمة وفي التعامل مع تلك الرموز في المجتمع ,وللغرابة فعل (النظام ) كل ما بوسعه على استئصال كل الرموز العلمية والثقافية والدينية والاجتماعية الأمر الذي يبددها ( الغرابة ) هو طبيعته ودوره ووظيفته الخطيرة في سورية, تلك هي الجريمة الثلاثية (( وصفة خارجية – منفذ داخلي – كسر الإرادة الوطنية )) هذه هي خلاصة دور النظام في سورية !.
أدهى من ذلك وأمر , إذ معروفا في العالم كله أن الطبيب في المجتمع له احترام خاص لإنسانيته وعلمه وتفانيه في خدمة المجتمع وعلاجه المرضى , في سورية ( الأسد ) استثناء أيضا ,فالذي جرى في حماة من جرائم كانت في طليعتها ضد الأطباء والمهندسين والعلماء والمثقفين والإصلاحيين ورموز المجتمع المدني من مختلف الاختصاصات والفعاليات العلمية والدينية والثقافية, فطبيب العيون في حماه قام المجرمون بقلع عينيه ورميه في الطريق على باب عيادته, وطبيب القلب تم شق صدره وإخراج قلبه ورميه في قارعة الطريق والشيخ الجليل تم التمثيل فيه بشكل مهين و وجهاء المدينة تم سلخ جلد وجوههم لأسفل الرقبة ورميهم في الشوارع ,جرائم مروعة ومهينة ومقززة مورست ضد المدينة وأشكال وفنون الجرائم التي لم يرتكبها مجرم لقيط في التاريخ أوالاستعمار أو الاحتلال في أي عصر وزمان ومكان , لأنها بشعة وهمجية وغريبة وتعكس بالضبط صنف فاعلها الخارج عن كل القياسات الإنسانية, تلك الجرائم كانت علنية وتمهيدية ومستمرة للتأكد من التخلص الكامل من كوادرها العلمية والثقافية والدينية والاجتماعية والتقنية قبل الهجوم الجوي والأرضي الشامل على المدينة المجاهدة وتدميرها كليا فوق رؤوس ساكنيها .
في خبايا التمهيد للجرائم تم إعداد خطة كاملة محددة بقيادة واحدة من المجرمين المعروفين وبجدول زمني محدد متناغمة مع ما يجري في لبنان والساحة الفلسطينية والعربية,بما تأكد أنه اختبار له أو استحقاق عليه, يؤديه النظام على مستوى سورية أولا وعلى مستوى لبنان والساحة الفلسطينية ثانيا وأخيرا على الساحة الإقليمية والعربية ,بما خلاصته كسر عظم المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في سورية ولبنان والعالم العربي وكسر إرادتها وإيصال العالم العربي إلى حالة الاستلاب والعجز الكامل وتسول مزمن – ل ( السلام الشامل والعادل ) الذي يمثل إستراتيجية النظام النهائية !.
لو يفهم ( عقلاء ) النظام رغم تحفظنا على الوصف ,أن الذاكرة الجمعية لشعب يصعب مسحها أو تزييفها,وأن مفعول الزمن بغياب العدل والقانون ورفع الظلم ومحاسبة الظالم , يتحول محتوى الذاكرة تدريجيا إلى فعل ضاغط غير منظم ,وقد يتعمد البعض ,, الجنون لكي يحفظ حقه وكرامته ويثبت أنه موجود,, لأن إلغاء وجود شعب وشطب كرامته والعبث بقيمه وكسر إرادته , تقول قرائن التاريخ أن استمرار ذلك من المحال,وفي غياب المعالجة الوطنية وبظل هكذا نظام تتسيب الأمور ويتحول الظلم المتراكم إلى مفاعيل ثأر, عندها تدخل سورية حالة الفعل ورد الفعل العلنية مرة أخرى, يسهل ذلك الظروف الإقليمية القياسية بفوضاها والداخلية القياسية أيضا بسوئها وبؤسها ويأسها,والحال كذلك تصبح القوى الخارجية الداعمة والمغطية لنظام أمني تحلل كليا في القمع والفساد معدومة التأثير وقيمتها الميدانية مقاربة للصفر, عندها تختل المعادلة ويكون مستوى المواجهة بين الشعب والنظام هو الذي يحدد الغلبة ومسار الطريق, طريق طالما حذرنا منه وكتبنا وضغطنا على الجراح حتى لا تنفجر الذاكرة والظلم بشكل ثار يحرق الأخضر واليابس في مجتمع أفرغه النظام من كل قيم الضبط والاعتدال وعوامل الاستقرار, ومابرح يغذيه بكل مشهيات التطرف وصواعق الانفجار, ونظام شاه إيران الذي كان مدعوما كليا أو بشكل أدق جزءا عضويا من الخارج مثالا , وفي ديكتاتورية تشاوشيسكوا ومخابراته السرية والعلنية وجبروته مثالا ثانيا,والتاريخ البعيد والقريب يعج بمصير الديكتاتوريين ونتائج أفعالهم ضد شعوبهم …دوام الحال في سورية بات في حكم المحال رغم كل رتوش الصورة وألوانها الزائفة وصخب موسيقاها .
من حماة قلب الوطن السجين الذي أصبح على كف عفريت متخبط فقد اتجاهه …تعلو الأصوات ..إلى متى؟! . سؤال برسم الإجابة …..مجرم برسم العقاب …
خاص – صفحات سورية –