نعم.. المواطنة تصون مجتمعاتنا العربية
ميشال شماس()
كيف نصون الوحدة المجتمعية العربية؟ سؤال طرحه الكاتب عدنان السيد حسن في مقالته المنشورة في صحيفة المستقبل بتاريخ 21/1/2009 أشار فيها بشكل سريع إلى التهديدات التي تستهدف الوحدات الوطنية في الدول العربية، واختتم مقالته بالدعوة إلى الإمساك “بالحلقة المفقودة للرد على حالات تصدع الوحدات الوطنية هي فكرة المواطنة” باعتبارها “مدخل فكري وثقافي مهم لإحداث متغيرات ايجابية في السياسة والاقتصاد والأمن الشامل”. نعم، إن تطبيق فكرة المواطنة سوف يساعدنا على وقف التصدعات والانهيارات الحاصلة في دولنا ومجتمعاتنا العربية، وفي مقدمها تلك التي ذكرها الكاتب “اليمن ولبنان والسودان ومصر والعراق والصومال وفي الضفة الغربية وقطاع غزة”. ولكن كيف السبيل إلى الإمساك بفكرة المواطنة وتحويلها إلى فكرة حقيقية تحكم مجتمعاتنا العربية؟
طموح المواطن في البلدان العربية هو أن يحيا في وطن يحمل هويته يكنّ له الولاء وحده وأن يخضع فيه لقانون ونظام واحد ويتمتع فيه بالحقوق نفسها وتفرض عليه الواجبات نفسها ويحظى فيه بالفرص نفسها.. هذه هي فكرة المواطنة التي شكلت الأساس لانطلاق المجتمعات الغربية وتطورها وتقدمها في جميع المجالات، بينما مجتمعاتنا العربية مازالت تُعلي من شأن العشيرة والقبيلة والطائفة والمذهب على حساب الدولة والمواطن، وترفض بإصرار تطبيق فكرة المواطنة، وحاربت التنويريين العرب الذين دعوا منذ زمن بعيد إلى تطبيقها وفي مقدمهم الطهطاوي، وخيرالدين التونسي، وفرح انطون، وولي الدين يكن، وسليم سركيس، والكواكبي، وأحمد لطفي السيد، وسلامة موسى، وطه حسين..الخ.
وكانت النتيجة أن تقدم الغرب في كل شيء، وسبقنا بمئات السنين، في كافة المجالات، بينما نحن العرب، ما زلنا نعتمد حتى في ستر عوراتنا على آلات الخياطة التي نستوردها من تلك الدول التي نشتمها وننعتها بالكذب والكفر والرذيلة في كل حين. ومازلنا نستهلك بلا حدود من غير أن ننتج إلا القليل القليل، نستورد كل شيء.. حتى تلك المواد القليلة التي نصدرها لذلك الغرب “الكافر”، نعود ونستوردها مصنعة منه، نتلقى كل شيء جاهزاً منه، من غير أن نرسل له شيئاً، إلا أولئك الذين يقفون في طوابير أمام السفارات كل صباح بحثاً عن لقمة عيش أو حياة حرة، أو عن فرصة دراسية، وبعض الإرهابيين .. فكان مصيرنا المحتوم أننا أصبحنا بلا وزن وبلا أي بُعد وبلا أي قيمة اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية أو حتى ثقافية.. بعد أن تأخرنا في كل شيء.
إن فكرة المواطنة لا تنمو من تلقاء نفسها، بل لا بد لها من رعاية لها في مراحل وخلايا متعددة ، تبدأ من الأسرة التي هي خليه المجتمع الأولى، ثم المدرسة ومناهجها التعليمية والتربوية وطرق إدارة شؤونها اليومية، ثم مؤسسات وهيئات المجتمع المدني، ثم الدولة بكياناتها وقواعدها الدستورية والقانونية. إن كل هذه المستويات المجتمعية، تلعب أدواراً محورية في تكريس مفهوم المواطنة، واعتباره المعيار الحاسم في حياتنا على مختلف الأصعدة والمستويات.
لذلك من الضروري إذا أردنا لفكرة المواطنة أن تترسخ في مجتمعاتنا وأن تؤتى ثمارها، لابد لنا من تحديث العملية التعليمية والتربوية لاسيما في مراحل التعليم الأساسي، لما لها من دور مؤثر وفاعل في تكريس مفهوم المواطنة لدى المواطن منذ الصغر، فالمدرسة بعد الأسرة تستوعب الفرد قرابة اثنتي عشر سنة كاملة من الصف الأول الابتدائي وحتى إتمام المرحلة الثانوية. كما أن فترة التعليم الجامعي تستوعب الفرد أيضاً قرابة الخمس سنوات، وهذه فترات زمنية كافية لترسيخ المفاهيم الرئيسة عند المواطن. ليس فقط من خلال المناهج التربوية، بل من خلال القائمين على إدارة العملية التعليمية. ومن هنا تبرز أهمية الاهتمام بالمعلم المحور الأساسي في العملية التعليمية، ومن الأهمية بمكان هنا تضمين المناهج الدراسية مواد تندرج في أفق التربية على الأخلاق واحترام القانون وحقوق الإنسان، وإنشاء مقاعد في الجامعات تهتم بالقضايا الفكرية والسياسية والقانونية التي يطرحها موضوع حقوق الإنسان في بلداننا والعالم.
لقد حان الوقت كي نتحرر من الخوف وأن ندرك حقيقتنا مهما كانت مرة وقاسية. وأن نخرج من تقوقعنا على ذاتنا، بالمصارحة والمكاشفة. وأن نعمل على توفير الجو الملائم لجميع المواطنين وبصرف النظر عن أي انتماء ديني أو سياسي أو عرقي أو طبقي المشاركة في صياغة مستقبلهم وبناء بلدانهم على قاعدة فكرة المواطنة، وهذا يتطلب بالدرجة الأولى وجود دستور وقوانين تنظم علاقة الفرد بالدولة، على أساس المساواة والحرية والمشاركة والعدالة وفي إطار هوية مشتركة، وتحتاج أيضاً إلى وجود مؤسسات وقضاء مستقل وانتخابات دورية ومجتمع مدني حيوي بأحزابه ومنظماته وإعلام حر مستقل.
() محام من دمشق
المستقبل