صفحات الناس

صناعة الرقم الإحصائي في سورية: التضليل مستمر..

null
حسب الأرقام الحكومية: المواطن السوري يشرب وقوداً على الإفطار بدل الشاي
معن عاقل
لا نبالغ إذا قلنا أن الرقم الإحصائي في سورية ينتمي إلى حكايا ألف ليلة وليلة, فرغم أنه كائن واقعي تماماً بحكم ولادته ونشأته وهويته الرياضية, إلا أنه يتخذ في تحركاته ومفاعيله عندنا طبيعة شخصية أسطورية قد تولد من دون زواج, وقد تتحدث في المهد, وتستطيع أن تجوب المؤسسات ووسائل الإعلام بسرعة البرق, تارة صغيرة بحجم عقلة الإصبع وأخرى كبيرة بحجم مارد علاء الدين بعد خروجه من المصباح.
هكذا, يحتوي جسد كل مؤسسة أنثى عندنا رحماً صغيراً يدعى مديرية الإحصاء والتخطيط, ظل لعشرات السنين أسير زواج المسيار, يَحْبَلُ بأرقام خرافية عن الإنجازات العظيمة وجبروت قوى الشعب العاملة, وفي بعض المؤسسات كان هذا الرحم عقيماً, لذلك لم يضطر حتى إلى إضفاء مشروعية على علاقاته غير الشرعية, فظل يستمتع بذلك الزنا, مضيفاً التنوع إلى ذاته في محاكاة ساخرة للحياة.
وجاء زمن جديد عنوانه: “مُعْدَمٌ ووقع في سلة أرقام”, على غرار المثل الشعبي لمن لا يعرفونه: “مُعْدَمٌ ووقع في سلة تين”، أيام كان للتين سطوة التمييز بين الفقر والغنى, وبدأت رحلة السندباد البحري, وتحولت هذه المديريات إلى مفرخة أرقام, كما ينبغي لها أن تكون, لكن المشكلة بقيت في ذلك الإرث التاريخي الممتد عميقاً في أديم الزمن لسطوة الذكورة على الأنوثة, فصاحب القرار في المؤسسة جمع بين يديه التخطيط والإحصاء, وراح يشرف على ولادة الرقم, لا ليخطط على أساسه, بل ليستخدمه كمؤشر على فحولته, وأبعد من ذلك بقليل راح يخطط لإنتاج الرقم المناسب لوجاهته وصورته في الحياة العامة, مُسَوِّقاً نفسه على هذا الأساس كفاتح للأندلس وكمحرر للقدس, ونجح البعض في التسلق على هذا الأساس, لأن الرقم صار زينة النجاح، كما المال والبنون زينة الحياة الدنيا.
من مديريات التخطيط والإحصاء لا يخرج رقم دون موافقة وتوقيع الوزير أو المدير العام أو أعلى سلطة تنفيذية في المؤسسة, لأنه لا يجوز أن نرمي بأبنائنا إلى التهلكة, ولأنهم مهما كبروا يظلون صغاراً في نظر الآباء, ويتجه الرقم مباشرة من كنف أبيه ومربيته التي قد تكون بلا أية مؤهلات, إلى مدرسته في المكتب المركزي للإحصاء, وهناك يعيش أحجية يصعب حلها حتى على علماء الرياضيات: معظم مديريات المكتب المركزي وأهمها يشغلها خريجو جغرافيا وحقوق وتاريخ, ومنذ عامين تقريباً أجرى المكتب مسابقة عَيَّن على إثرها حوالي ثلاثين خريج تجارة واقتصاد، لكن هؤلاء جميعاً تسربوا منه وانتقلوا إلى مؤسسات أخرى, كأن هناك عداوة مستفحلة وحساسية مفرطة لدى المكتب ممن يمتون بصلة للرقم وطبيعته الواقعية, وأكثر من ذلك, راح المكتب يستخدم الهرمونات وآخر مكتشفات علم الوراثة والجينات على تلاميذه مبتكراً علماً جديداً اسمه الجينات الإحصائية. ولإلقاء الضوء على جوانب هذا العلم الجديد, دعونا نتتبع نسب التسرب المدرسي وموازنة التعليم ما قبل الجامعي كما جاءت في تقرير التنمية البشرية والمعتمدة من هيئة تخطيط الدولة والمكتب المركزي للإحصاء وبين هذه النسب وهي في كنف وزارة التربية.
يقول مدير التخطيط في وزارة التربية إن الأرقام الواردة في التقرير غير صحيحة إطلاقاً، فنسب التسرب وعدم الالتحاق بالتعليم الأساسي لا يمكن أن تصل إلى 19% وهي لا تتعدى 7%، وفي أسوأ الأحوال 9%، وهي لا تختلف عن نسبتها في الأعوام السابقة إلا بشكل طفيف، لأننا نأخذ بالحسبان أرقام التسرب القديمة عند حساب التسرب الجديد، ونحن قادرون على البرهنة على صحة أرقامنا، لأننا نعتمد على السجلات المدنية لإحصاء عدد الأطفال في سن الدخول إلى المدرسة كل عام، ونتابعهم ميدانياً، ولأن لدينا مؤشرات على نسبة الالتحاق من جميع الأعمار في التعليم الأساسي بالنسبة لعدد السكان وهي 106% هذا العام، وتفسير هذه النسبة هو التحاق أبناء المدرسين بالمدارس في سن الخمس سنوات أي قبل عام من سن الالتحاق النظامي، وأيضاً متابعة من تسربوا أو لم يلتحقوا في العام الفائت، وبقاء عدد من التلاميذ الراسبين ممن تجاوزوا سن هذا التعليم فيه, وبلغت نسبة التسجيل الصافية 91% في التعليم الأساسي.
وبالنسبة لمعدلات الملتحقين بالتعليم الثانوي الصافية التي وردت في التقرير والمقدرة ب 32%، يقول مدير التخطيط إنه غير صحيح وأنه قدم احتجاجاً في عام 2003 على الأرقام المعتمدة من هيئة تخطيط الدولة، لكنه لم يلق أذناً صاغية، مضيفاً أن نسبة الالتحاق في التعليم الثانوي (العام والمهني) من الناجحين في التعليم الأساسي بلغت هذا العام 75% وأنها لم تختلف عن الأعوام السابقة، وإذا وردت في التقرير بنسب بعيدة جداً عن هذه النسبة، فإن الجهة المصدرة للتقرير تتحمل المسؤولية، موضحاً أنه إذا نجح لدينا 200 ألف طالب في التعليم الأساسي وافترضنا أنهم توزعوا إلى 80 ألف طالب تعليم مهني و120 ألف طالب تعليم ثانوي(80 ألف أدبي و40 ألف علمي) وقارنا مع مخرجات التعليم الثانوي بعد ثلاث سنوات سنجد أن طلاب التعليم المهني هم 40 ألف طالب, وهنا يتبادر للذهن أن البقية تسربوا, لكن إذا قارنا مع سجلات المتقدمين للشهادة الثانوية سنجد أن لدينا 70 ألف طالب أدبي و90 ألف طالب علمي يتقدمون للثانوية, أي لم يحدث تسرب من التعليم وإنما حدث انتقال من مجال لآخر بسبب عدم جاذبية التعليم المهني للطلبة, وعندما تذهب الأرقام إلى المكتب المركزي للإحصاء لا تُناقش ولا تُقارن ويعتبرون أن هناك تسرباً كبيراً، بل ويتجاهلون وجود مدارس مهنية تابعة لوزارات أخرى، مثل الملاحة والفندقة والكلية الجوية سابقاً، وغيرها من المعاهد التي تعد استمراراً للتعليم الإعدادي سابقاً، والأساسي حالياً.
وعندما عرضت عليه موازنة التعليم قبل الجامعي من موازنة الدولة كما وردت في تقرير التنمية البشرية بناء على بيانات المكتب المركزي للإحصاء في مجموعة عام 2003 الإحصائية، أجاب بأنها أيضاً غير صحيحة والتناقض فيها فاضح، إذ جاء في بيانات المكتب المركزي أن موازنة التعليم ما قبل الجامعي بين أعوام 1992-2002 على التوالي هي: (4,4), ( 5,3), (6,6), (7,9)، (8,8),(9,2), (10,1)، (10,5)، (11,3)، (35,4)، (42,3) مليار ليرة سورية، بينما بيانات وزارة التربية كانت على التوالي للأعوام ذاتها: (11,6), (14,7)، (18,4)، (18,8)، (21)، (21,5)، (24,7)، (26,3)، (28,8)، (35,4)، (42,3) مليار ليرة سورية, وبرر مدير التخطيط في وزارة التربية هذا التناقض الصارخ بأن المكتب المركزي للإحصاء وهيئة تخطيط الدولة لا يكلفون أنفسهم عناء المقارنة, فهناك مصروفات على التعليم تنفقها وزارة الإدارة المحلية ومنها بناء مدارس ودفع رواتب معلمين مؤقتين وغيرها تندرج تحت بند التعليم لكنها لا تُحْتَسب, وبالتالي فإن الحصول على الرقم لا يأتي من أشخاص متخصصين, فمثلاً نحن نفتقر في هيئة تخطيط الدولة لشخص كفؤ يعمل في مديرية التعليم ويستطيع أن يحلل الأرقام، والمسؤولة عن هذا الموضوع حالياً هي مهندسة مدنية اسمها ميادة شاهرلي, علماً أنني سبق واقترحت لهم مجازاً بالتجارة والاقتصاد اسمه هشام البدران، فعمل معهم لمدة عامين لكنه تركهم ليعمل في منظمات أخرى على الأرجح دولية.
وفي هذا السياق نفسه, انتبهت وزارة الزراعة مؤخراً, أو الأصح قرأت مؤخراً، نشرة المكتب المركزي للإحصاء, التجارة الخارجية, الصادرة عامي 2005 و2006, فاكتشفت أن هناك أرقاماً عن سلع مصدرة تفوق ما أنتجناه وما استوردناه من هذه السلع في تلك السنوات وبدأت بمعالجة الخطأ وتدقيق الأرقام بعد إصدارها من المكتب بعام أو عامين.
كما سبق وقلت, الرقم في سورية كائن أسطوري مصنوع من مادة لدنة تصل أحياناً إلى حد اللزوجة, ويستطيع أن يتكاثر بالولادة أو بالانقسام المنصف أو حتى بالفسلات, وهو غير مسيس إطلاقاً، بحسب تصريحات مدير المكتب المركزي الصحفية, لكن العارفين ببواطن الأمور في المكتب يقولون إن خبيراً جاء من مصر يدعى سيد قطب، واشتغل عامي 2005-2006 في موضوع حصر الدعم, لكنه لم يتوصل إلى نتيجة، وأقسم ألا يعود إلى سورية, ويستغرب هؤلاء من أين جاء رقم ال350 مليار المتعلق بالدعم الحكومي للوقود, ففي بياناتهم لا يظهر هذا الرقم من قريب أو بعيد, فهو لا يظهر في بيانات ساد كوب كخسارة ولا في بيانات وزارة النفط، ولا في أي بيانات, وعندما نوقش الأمر في هيئة تخطيط الدولة والحكومة، أرسل المكتب المركزي مندوباً عنه يحمل إجازة في الجغرافيا, ربما ليحدد أماكن الدول التي استوردنا منها النفط المدعوم أو مواقع الآبار التي نستخرجه منها, والأرجح ليكون أذناً من طين وأخرى من عجين.
الأدهى, بحسب هؤلاء العارفين, أن مبلغ الدعم كان قبل خمس سنوات مليار دولار وأصبح الآن 5 مليار دولار, أي حتى لو احْتُسِبَتْ هذه الزيادة بكل المعايير الاقتصادية، فإنها تظل خرافية، إلا إذ كان المواطن السوري صار يشرب وقوداً على الإفطار بدل الشاي.
هؤلاء العارفون, يتحدثون بطريقة عادية عن أمور خرافية, لدرجة لا يستطيع المرء معها التمييز بين المستوى التخييلي والمستوى الواقعي, ولا يستطيع أيضاً أن يحدد إن كانت خرافية المكتب جاءت من أسطورة الرقم، أم أن العكس هو الصحيح, وهكذا يضطر للإصغاء إليهم يتساءلون بطريقة متبالهة عن سبب عدم نشر التعداد الزراعي لعام 2004 حتى الآن وأين ذهبت استمارات التعداد الزراعي الذي جاء في إطار تعداد شامل كلف نصف مليار ليرة سورية فقط؟!!!
وأكثر من ذلك, يتجاوزون حالة التباله تلك، عندما يلجون باب المشكلات الفنية, فيتحدثون عن تحديث إطار التعداد السكاني الذي جرى عام 2004، وكيف سحب المكتب عينة 10% من التعداد لسحب عينات المسوح التي ستنفذ مستقبلاً منها وبكلفة متوقعة تصل إلى 25 مليون ليرة, في حين أنه من المفترض فنياً، بحسب زعمهم، سحب عينات المسوح من التعداد، أي من الإطار الشامل, وتعني خطوة المكتب السابقة أن التعداد كان فاشلاً, بل إن الحكومة لم تقر حتى الآن نتائج تعداد عام 2004 الذي اختفى منه التعداد الزراعي، إلا فيما يتعلق بعدد الحائزين، وأعلنها المكتب دون الحصول على موافقة عليها.
ولأنهم يعملون في مكتب خرافي، يتصورون أنني لو سألت مدير المكتب عن ذلك، سيجيب فيما يخص التعداد الزراعي بأن الفلاحين لم يتجاوبوا، وبالتالي كانت البيانات مضللة، ولا يجوز للمكتب أن ينشر بيانات ونتائج مضللة، وهنا بالطبع سيتناسى أن الخرافة يمكن أن تنتج أسطورة، وسيرغب بتحميلها شيئاً من الواقعية المستحيلة, وبالتالي لا رقم ولا هم يحزنون.
لكن بماذا سيجيب لو سُئِل عن الخطأ الفني المرتكب في تنفيذ التعداد الزراعي, إذ كان يجب تنفيذه، كما في جميع بلدان العالم وكما كان يحدث في سورية إبان السبعينيات والثمانينيات, منفصلاً عن التعداد السكاني, أي بعده بثلاثة أشهر أو أربعة وبعد الحصول على إطار للحائزين الزراعيين من التعداد السكاني, بينما جرى تنفيذه جنباً إلى جنب مع هذا الأخير؟ من سيكون المُضَلِّل هنا، ومن هو المُضَلَّل؟
بالتأكيد بنيت الخطة الخمسية العاشرة على مؤشرات وإحصاءات, واتفقت وزارة التربية, بحسب قول مدير التخطيط فيها, مبدئياً على موازنات تكفل الوصول إلى تعليم جيد لكن الوزارة, رغم الوعود الحكومية التي أعطيت لها, حصلت على 8 مليار ليرة سورية عام 2007، بينما كان المفترض أن تحصل على 12 مليار ليرة، وبعد مباحثات مع النائب الاقتصادي عراب الخطة الخمسية العاشرة السيد عبد الله الدردري حصلت على 8.5 مليار ليرة، وستحصل عام 2008 على 7.5 مليار ليرة، أي أن التخطيط لا يعتمد على رقم الوزارة.
هكذا يصل الرقم الإحصائي في سورية إلى نهايته المحتومة, فترميه الحكومة بسهم تصيبه مقتلاً في كعبه الذي فاته الماء المقدس, ولا تميز هنا بين تعليم واحتياجاته أو دعم ودقة معطياته وآثارها, وتغدو الأرقام المدللة مطواعة, أو كما قلنا, لزجة, والفرق بين مليار دولار دعم محروقات وخمسة مليارات خلال خمس السنوات هو كالفرق خلال السنوات السابقة بين كيلو البندورة الذي يباع بليرتين في موسمه وبين الكيلو ذاته الذي بيع هذا العام بعشر ليرات, بينما بقيت الأجور والرواتب على حالها, مع منحة حصل عليها العاملون في الدولة فقط، ولمرة واحدة، وظلت باقي الأمور على حالها من شروق وغروب وليل ونهار وتعاقب للفصول, وأيضاً الفرق بين8,5 مليار و12 مليار ليرة بالنسبة لوزارة التربية هي كالفرق بين بيانات الوزارة وبيانات المكتب المركزي للإحصاء وللحكومة أن تقرر بيانات ثالثة تلائم طرفاً رابعاً يرتدي قبعة الإخفاء.
حتى على مستوى الحسابات القومية, يتندر العارفون ببواطن الأمور أن المكتب المركزي توصل إلى نسبة النمو الشهيرة عام 2006 وحددها ب 6,2%، لكنه لم يتجرأ على الجهر بأرقامه ونسبته, لأن الحكومة كانت قد أعلنت أن النسبة هي5,1%، أي أن المكتب المستقل وغير المسيس, مثل باقي المؤسسات التي يتطلب عملها وطبيعتها الاستقلالية وعدم التسييس, لم يكن له دور في إصدار أو الأصح ولادة نسبة النمو, وتوصل إليها متأخراً بعد أن أُعْلِنَت, ولم يتجرأ حتى على تصحيحها لأنه مستقل جداً.
يقال إنه كان من المقرر أن تجري عملية أتمتة شاملة للمكتب وآليات عمله، وأنه سيكون متصلاً مباشرة بمكتب السيد رئيس الحكومة, واليوم, بعد سنوات من شد العزم على التنفيذ, تبين أن المكتب ليس بحاجة إلى الربط الحاسوبي بين مكاتبه، ولا بينه وبين الوزارات الأخرى, وحتى موقعه على الإنترنيت ينتمي إلى عالم المضحك المبكي, فآخر البيانات الموجودة عليه تعود إلى المجموعة الإحصائية عام 2004, وإذا احتاجت جهة ما رقماً من المكتب تتصل بالمدراء, أساتذة الجغرافيا والتاريخ والحقوق وحتى العلوم السياسية, المتفرغين للرد على الاستفسارات، طالما أن معظمهم لا علاقة له بأبسط مبادئ الإحصاء.
بالطبع, لم يحصل رئيس الحكومة على ربط مع موقع شبكة المكتب المركزي للإحصاء, ويبدو أن الجميع اكتشفوا أنهم ليسوا بحاجة إلى هذه اللعنة التي حلت على الجميع والمسماة رقماً, ولا أحد يدري ماذا حل بالميزانية المرصودة لمشروع الأتمتة ذاك, وأرجح أنها دخلت في باب ضغط النفقات الحكومية, أما الحواسب المتوفرة في المكتب, فيمكن زيارته لمن يهمه الأمر، وسيكتشف ببساطة كيفية استخدامها.
ولكي يُشَرْعِن المكتب المركزي الحالة السائدة فيه, قيل لنا إن نظامه الداخلي الجديد سيحتوي على كومة وظائف إدارية لخريجي العلوم السياسية, لأن إحصاءاته على ما يبدو لحظت خريجي جميع فروع العلوم الإنسانية واستبانت أكثرها تعطلاً عن العمل وقررت حل مشكلتها, طالما أن الرقم الإحصائي بين يديها هالك لا محالة.
أحدهم أسر لي بأن معظم نتائج المسوح الاقتصادية, سيما المتعلقة بالقطاع الخاص, لا يؤخذ بها, لماذا؟ لأن هذا القطاع يكذب دوماً في بياناته, وهكذا يتولى المكتب وإداراته وضع الأرقام المناسبة لها, مضيفاً أنه بدل أن نمد جسور الثقة مع القطاع الخاص ونراكمها عاماً بعد عام بحيث نصل إلى المؤشرات الأقرب للواقع, نقوم بمراكمة الكذب على طريقته، ونتسابق نحن وإياه لنكتشف في النهاية أننا الأرنب وهو السلحفاة.
في العام الماضي نشرت إحدى صحفنا الرسمية لقاءً مع أحد المتخصصين في الإحصاء فقال إن الأرقام التي يشير إليها الجدول الإحصائي المبين لحالات الولادة والزواج والطلاق والوفاة خلال عام 2006 لا تبشر بالخير, سيما فيما يتعلق بالولادات والوفيات، حيث لا يعقل أن يبلغ عدد الولادات خلال ذلك العام /657170/ حالة ولادة, يقابلها /70976/ حالة وفاة، مضيفاً أن هذين الرقمين يشكلان تحدياً لأصحاب القرار لاتخاذ ما من شأنه معالجة المشكلة لأننا مقبلون على تفجر سكاني نتائجه لا تحمد عقباه.
أتساءل هنا: هل كان هذا الخبير يشير بشكل مبطن إلى عدم صحة ودقة الرقم ولا معقوليته، أم أنه يحذر أصحاب القرار من خلل في سياساتهم نتيجة إهمالهم مثل هذه الأرقام؟ لن يحتاج أحد إلى النباهة حتى يحزر الجواب.

انفورمرسيريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى