وزارة الأوقاف، إلى أين؟
يحيى الأوس
طوال جولتين كاملتين خاضهما المجتمع الأهلي في طريقه لإسقاط مشروعين عتيين استهدفا أحوالنا الشخصية في العام الماضي، تم تحييد وزارة الأوقاف وإقصاءها عن دور محتمل لها في المشروعين المذكورين، على اعتبار أن اللجنة السرية تشكلت بقرار من السيد رئيس الوزراء وبرئاسة السيد وزير العدل السابق، الأمر الذي يفترض المسئولية المباشرة لهاتين الجهتين عن المشروعين. إلا أن إشارات عديدة صدرت عن الوزارة أشارت فيها إلى موقفها المتشدد من عدد من القضايا الهامة والتي أشارت إليها في مقالة سابقة الأخت أسماء كفتارو سواء يما يتعلق باستبعاد الشخصيات التي تسعى للمحافظة على حالة الاعتدال الديني، عن العمل في الحقل الديني أو فيما يتعلق بموقف الوزارة من مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة وتحميله ما لا يحتمل. الأمر الذي يدفعنا إلى مراجعة سريعة لبعض مواقف هذه الوزارة التي يفترض أنها تتولى تسيير الشأن الديني في البلاد بعيدا عن متاهات الفكر الديني المتشدد الذي بدأ يطل برأسه علينا من حين لآخر.
ملاحظات وزارة الأوقاف على صندوق النفقة والتكافل الاجتماعي
تحت هذا العنوان خرجت وزارة الأوقاف بمجموعة من الملاحظات على مشروع صندوق النفقة والتكافل الاجتماعي الذي أعدته الهيئة السورية لشؤون الأسرة قبل نحو عام والتي تشير بشكل لا يقبل اللبس إلى رغبة الوزارة في وأد هذا المشروع الذي يشكل حاجة ماسة لشريحة كبيرة من السوريين، وفي ما أوردته من ملاحظات إشارات واضحة لموقفها الداعم لمشروعي قانون الأحوال الشخصية البائدين وكذلك موقفها من الجمعيات الأهلية، ففي أبرز ملاحظاتها على مشروع قانون صندوق النفقة والتكافل الاجتماعي تقول الوزارة أنها تتحفظ على المشروع لأسباب عديدة منها الهجوم الشديد الذي أبداه واضعو المشروع على قانون الأحوال الشخصية وإقحامه كأسباب موجبة لصندوق النفقة “دون مبرر”. وتحميل قانون الأحوال الشخصية أوزار انهدام الأسرة وأخطاء القضاء والتآمر مع الفقر ضد المرأة والأولاد، مؤكدة أن حالات تضرر المرأة والأولاد جراء الطلاق قليلة دون أن تذكر مصادرها التي استقت منها هذا الاستنتاج ومعللة رأيها بأن قانون الأحوال الشخصية يفرض النفقة على الزوج حال الزوجية وعلى العصبات قبل وبعد الزوجية، وتوجه اللوم هنا للهيئة السورية لشؤون الأسرة وتنكر عليها أي جهد في التخطيط للحد من حالات الانهدام الأسري، كما تتهم الوزارة مشروع القانون بتشويه مفاهيم الخلع والإرث والنفقة والمهر وتصفه بأنه مخالفة لنصوص دستورية كالمادة 3 من الدستور التي تعتبر الفقه الإسلامي مصدرا أساسيا في التشريع.
الوزارة أيضا تقف موقفا حازما من الدعوات التي وردت في المشروع تجاه رفع التحفظات عن اتفاقية السيداو متجاهلة الآثار السلبية لهذه التحفظات التي شوهت الاتفاقية واعتبرت الوزارة في هذه الدعوات عدم احترام للسيادة الوطنية، فضلا عن القراءة المغلوطة لاتفاقية السيداو عندما قالت إن هذه الاتفاقية الدولية لا توجب النفقة ولا المهر ولا المسكن!
الانتقادات لا تتوقف عند هذا وحسب بل تذهب إلى انتقاد اللغة الإنسانية التي استخدمت في صياغة القانون وتصفها بأنها متعمدة من أجل استثارة العواطف وأنها لا تعبر عن الصورة الحقيقية للمجتمع السوري، فهل ترى الوزارة في المجتمع السوري مجتمعاً مجرداً من المشاعر وخالياً من القيم الإنسانية النبيلة؟!.
موقف متطرف من الجمعيات الأهلية
في ملاحظاتها على الفصل الثاني من المشروع ترفض الوزارة قطعيا إدخال أي جمعية أهلية كعضو في مجلس إدارة صندوق النفقة وتقدم عليها القضاء الشرعي واتحاد الجمعيات الخيرية، وتصف نشاط الجمعيات الأهلية بأنه يروج لأفكار غير مسؤولة ومرفوضة دينيا واجتماعيا ويجب الاستعاضة عنها باتحاد الجمعيات الخيرية أو الاتحاد النسائي والهيئة السورية لشؤون الأسرة شريطة أن تراعي مسؤولياتها تجاه المجتمع، وكان الحري بالوزارة هنا أن تتوقف عن محاولة تصويب عمل الجهات وسؤال نفسها هل تراعي هي مسؤولياتها تجاه المجتمع؟ وهل تقتضي هذه المسؤولية منها إسقاط هذا المشروع وحرمان فئة كبيرة من الناس من الاستفادة منه عبر توجيه حزمة ملاحظات أقل ما يمكن القول عنها بأنها متحاملة وغير منطقية؟
إن الغلو والتشدد الذي بتنا نلمسه في العديد من مفاصل المؤسسة الدينية والذي لم يعد خافيا على أحد بات يشكل تهديدا جدياً يخشى ان تكون أول ضحاياه -إذا جاز التعبير- الحركة الناشئة الملتفة حول قضية حقوق المرأة في سورية والمكتسبات المتواضعة التي حققتها ومن ورائها الجمعيات الأهلية التي تحاول الوزارة الإيغال في تهميشها لصالح الهيئات التي ترفع شعار العمل الخيري نموذجا وحيداً لا يقبل شريكاً من أي نوع كان.
موقع ثرى