السلطة عارية
ساطع نور الدين
تصرف التلفزيون الاسرائيلي والاعلام بشكل عام بمهنية عالية ازاء الفضيحة: تلقى شريطا مصورا لمسؤول تعرى من ثيابه واستعد لممارسة الجنس مع فتاة قصدته للحصول على فرصة عمل، فعرضها على الرأي العام. حصل على شيكات مصرفية ووثائق تثبت ان عمليات بيع الاراضي كانت توفر للوسطاء من اهل السلطة ملايين الدولارات، وتكشف ان الصفقات على اختلاف انواعها كانت توزع على ابناء كبار المسؤولين، فقدمها الى الجمهور المتعطش عادة لمثل هذه الاخبار، من دون تعليق يذكر.
لم يطلب التلفزيون الاسرائيلي الذي خصص ليلة الاربعاء سهرة كاملة للفضيحة، اللجوء الى المحاسبة او المعاقبة. اعتبر ان مهمته انتهت عند هذا الحد. اكتفى بقطع برامجه العادية، لعرض هذه الحلقة المثيرة التي روج لها في الليلة السابقة، وبثها من دون التدخل في اي من وقائعها ولقطاتها. لم يعمد الى حجب صور الوجوه ولا الاصوات. ادرك سلفا ان الجمهور لن يقبل بأي تمويه او تجميل للحقيقة. وكان وائقا من ان المشاهدين كانوا يترقبون مثل هذه الفرصة الثمينة للاثارة والترفيه.
كانت سهرة ممتعة. تسمّر فيها الاسرائيليون امام الشاشات، لكن من دون توتر او حرج او استفزاز، فقط شعور بالرضا والاطمئنان الى ان اعلامهم يؤدي عمله باحتراف واتقان، ويقدم لهم برنامجها جديا جدا، يثير حشريتهم، ويستدعي بين الحين والآخر ضحكاتهم الساخرة، ولا يتطلب منهم هذه المرة اللجوء الى المحاكم ولا الى الشوارع ولا الى صناديق الاقتراع لمعاقبة المسؤولين عن تلك الفضيحة المستمرة منذ سنوات، والتي جرت وقائعها ولا تزال تجري حتى هذه اللحظة على مرمى حجر منهم… برغم انهم يعرفون المتورطين فيها واحدا واحدا، ويرونهم كل يوم تقريبا على المحطات التلفزيونية الاسرائيلية التي تستضيفهم احيانا في برامجها الحوارية وتسألهم بين الحين والآخر رأيهم في القضية الكبرى او حتى في امور الامن والاقتصاد والاجتماع، فيجيبون بلغة عبرية سليمة، ويتحدثون عن الدولة والمؤسسات، وعن الحقوق الوطنية والمفاوضات السياسية، ويختمون احاديثهم بالمطالبة بالضرائب والرسوم والتحويلات المحجوزة في المصارف الاسرائيلية، التي تعرقل الكفاح من اجل القضية، او هي تعمل على تصفية القضية!
كانت ليلة من العمر. نسي فيها الاسرائيليون فضائحهم الخاصة، مع مسؤوليهم وسياسييهم الذين كان بعضهم من اصحاب السوابق والسجلات العدلية الملطخة، واغفلوا التهديدات التي تأتيهم بين الحين والآخر من اماكن بعيدة خلف الحدود. توجهت افكارهم الى بؤرة الفساد التي تقع على مقربة منهم، في رام الله تحديدا، حيث يرتفع علم آخر، ويصدح نشيد مختلف، ويظهر حرس رئاسي، وسلطة عارية في هذه اللحظات، مثلها مثل مدير مكتب الرئاسة رفيق الحسيني الذي يحمي القضية برجولته، او مثل انباء محمود عباس وسلام فياض واحمد قريع وكثيرين غيرهم ممن يناضلون من اجل القضية بواسطة التحويلات المصرفية التي تمر عبر اسرائيل، او بواسطة التواطؤات الامنية التي تعقد من اجهزتها.. او حتى بواسطة صفقات بيع وشراء الاراضي في القدس المحتلة.
لا شىء يستر عري السلطة الفلسطينية. كلامها عن مؤامرة اسرائيلية، مبتذل ومعيب، ويساهم في تعميق الفضيحة.
السفير