أيّ بدائل إقليمية لـ«حل الدولتين»؟
ماجد الشّيخ *
في ضــوء المــأزق المقيم الذي ما فتئ يلازم مسألة استئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني، وفشل جولات المبعوث الأميركي جورج ميتشيل المكوكية، في تحقيق هدف مواصلة عملية التفاوض المتوقفة منذ أواخر أيام حكومة إيهود أولمرت السابقة منذ أكثر من عام، وفي ضوء الانسداد الراهن الذي يعود إلى طبيعة حكومة نتانياهو اليمينية المتطرفة وأهدافها الاستيطانية، وتشددها إزاء مواصلة عمليات الاستيطان – على رغم قرار التجميد الشكلي الموقت – تتواصل دراسة البدائل والخيارات المتاحة أمام أطراف العملية التفاوضية من جانب حكومة نتانياهو، في سعيها لإثبات فشل فكرة «حل الدولتين»، وقيادة العملية نحو اتجاه آخر، محــدد سلفاً؛ اتجاه البحث عن بدائل إقليمية مع حليفتها الرئيسة الولايات المتحدة، ولو عبر الاستعانة بجهود إقليمية عربية.
وفي هذا السياق، نقلت تقارير إخبارية مصرية يوم الخميس 28/1 /2009 عن دراسة إسرائيلية وصفت بأنها خطيرة، معلومات مفادها أن إسرائيل نجحت بجهود «سرية خاصة» في إقناع الولايات المتحدة بالضغط على مصر والأردن للاشتراك في حل إقليمي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يقوم على الاستمرار بالسيطرة على مساحات كبرى من الضفة الغربية في مقابل تعويض الفلسطينيين بمساحات كبرى من شبه جزيرة سيناء، لإنشاء دولة فلسطينية مستقرة وقادرة على النمو والمنافسة. وهنا تنقل صحيفة «المصري اليوم» المستقلة عن تقرير قالت إنه نشر منتصف الشهر (كانون الثاني/يناير) الماضي، تحت عنوان «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين» بأن عملية الانسحاب الأحادي من غزة عام 2005، كانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، وبمجيء الرئيس باراك أوباما، آن الأوان لتنفيذ الخطوة التالية في المشروع، غير أن مسؤولاً رفيعاً ومؤثراً في الإدارة الأميركية سبق أن اطلع على مشروع التسوية الإسرائيلي الذي أعده غيورا آيلند مستشار الأمن القومي، قال للمسؤولين في تل أبيب: «انتظروا عندما يأتي وريث مبارك».
ومهما تكن دقة هذه المعلومات، فليس أنسب لهذه المهمة ذات الطابع الإقليمي، من حكومة يمين متطرف تحكم إسرائيل اليوم بزعامة نتانياهو وتكتله الحكومي المنسجم حتى اللحظة على سياسات رفض الذهاب إلى التسوية بشكل مباشر، والتعاطي معها بشروط تحققاتها وضماناتها الإقليمية، كالتعامل مع حكومات دول، لا مع سلطة فلسطينية ينبغي لها أن تخضع لمجموع الضغوط التي تُمارس عليها إسرائيلياً وإقليمياً ودولياً.
عبر هذا التوجه الإسرائيلي الذي يؤكد ضعف وعجز الأطراف المعنية المتفاوضة والضامنة، عن وضع «حل الدولتين» موضع التطبيق، على رغم إصرار المبعوث الأميركي جورج ميتشيل على إنجاح مهمته، يتأكد اليوم وفي أعقاب الجولة التاسعة، أن ورقة المقترحات الأميركية التي جرى تداولها، وتجرى دراستها، ليست أكثر عملية من خطط سابقة لم تزل مطروحة، ولكن دون مقاربتها عملياً؛ كالمبادرة العربية، ومقترحات اللجنة الرباعية الدولية، وخطة خريطة الطريق، وخطة مسار أنابوليس وغيرها من خطط.
وإذا كانت مقترحات ميتشيل «الجديدة» التي عرضها مؤخراً، لإعادة انتظام السلطة الفلسطينية في إطار استئناف المفاوضات، دون التحقق من الوقف التام لعمليات البناء الاستيطاني؛ فإن الضغوط التي بدأت تتزايد على السلطة وهي تواجه تحديات خطيرة، وبخاصة من جانب الولايات المتحدة وبعض حلفائها الإقليميين في الفضاء العربي، هذه الضغوط تؤشر إلى أن بعض أطرافها يتبنى الموقف الإسرائيلي ووجهة نظر حكومة نتانياهو، إزاء مواصلة استئناف المفاوضات، في ظل مواصلة البناء الاستيطاني في القدس كما في الضفة الغربية، بغض النظر عما يقال عن التجميد الموقت، والأساليب الاحتيالية المتبعة لعدم التجميد العملي للاستيطان.
وفي محاولة لإنقاذ «حل الدولتين»، بالتأكيد على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، كحدود للدولة الفلسطينية، وأمام تضاؤل فرص نجاح الجهود الأميركية الرامية إلى استئناف المفاوضات، تسعى منظمة التحرير الفلسطينية، وعبر المجموعة العربية في الأمم المتحدة، إلى تقديم مشروع قرار يقضي بترسيم حدود الدولة الفلسطينية وفق خط الرابع من حزيران، إذا لم تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام حق النقض (الفيتو) في مواجهة مشروع القرار.
وعلى رغم وعود مواصلة ميتشيل مهمته، فإن دوران الأوضاع السياسية/التفاوضية في ذات الحلقة المفرغة، لن يجلب أيّ أمل بنجاح المبعوث الأميركي في مهمته، طالما استمرت حكومة الاستيطان الإسرائيلية تتشبث بمنطلقاتها اليمينية، المهووسة برسم الحلول التفاوضية وفق مشيئتها هي، لا وفق منطق ومنطلقات الحلول التفاوضية، كحلول تسووية يتوافق عليها طرفان أو أكثر من أطرافها المعنية.
إن حكومـــــة يمينية متطرفة في إسرائيل، وجــدت وتجد نفسها الحاكمة بأمرها، وبما يتجاوز تأثيراتها وفعاليتها على محيطها القريب، إلى محيط أبعد وأوسع، دون خشية من معارضة داخلية، ودون مصادفتها اعتراضات خارجية، وإلى حد أجبـــرت فيه الولايات المتحدة لأن تقف إلى جانبها وتتبنى مواقفها، إزاء كل ما تسعى إليه على صعيد تنفيذ سياساتها الإقليمية؛ إن حكومة كهذه، تضع في اعتبارها أنها لن تنكسر أمام مسلسل الضغوط غير الجديـــة، فيما هي تمارس سلسلة ضغوطاتها على السلطة الفلسطينية والوضع الوطني الفلسطيني، غير الموحد وغير المنسجم على الحد الأدنى من سياسات تفاوضية معطّلة، أو على الحد الأدنى من سياسات مقاومة لم تعد تقاوم، في ظل استبعاد اندلاع انتفاضة ثالثة جديدة، على رغم التهديد بها والتحذير من مخاطرها. بينما يجرى الانحياز فلسطينياً إلى مقاومة شعبية على غرار مقاومة الجدار في الضفة الغربية والقدس، والحصار والحدود المفروضة من جانب الاحتلال في قطاع غزة، وهذا هو الحد الأعلى الكفاحي الراهن.
من هنا تشبث حكومة نتانياهو بمواقفها الاستيطانية التي خضعت لها إدارة باراك أوباما، وها هي تسعى إلى جعل سياسة الإدارة الأميركية تتساوق مع سياسة إدارة الأزمة الإسرائيلية، في سعيها لتثبيت الاستيطان وتواصله وإبقاء الكتل الكبرى في القدس والضفة الغربية وقطع تواصل المناطق الفلسطينية، بمثابة السقف الأعلى، إذ يتوجب على كل من يسعى للتفاوض البقاء تحته، فضلاً عن التعايش معه، انتقالاً نحو سقف أدنى، يحمل بين طياته ملامح «تسوية عقارية» و«سلام اقتصادي» ليس إلاّ، وتلك هي حدود «الإجماع الصهيوني» وتوافقاتها، وإلاّ فإن «البدائل الإقليمية» هي المتاحة، أما «حل الدولتين»، وفي ظل هذه الحكومة فقد نال نصيبه من الإفشال، بعد أن جرى ويجرى إبعاده من نطاق الإمكان أو الاحتمال، وانتقاله إلى آفاق غائمة لم تعد تحمل بين طياتها أي إمكانية فعلية.
* كاتب فلسطيني.
الحياة