الرقص على حافة الهاوية
سميح صعب
تستحضر واشنطن وطهران هذه الايام كل عناصر القوة التي تمتلكانها في المواجهة الباردة الدائرة بينهما. فالرئيس الاميركي باراك اوباما أسقط غصن الزيتون الذي لوح به لايران قبل عام. وفي المقابل رفضت طهران الصفقة التي اقترحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووافق عليها الغرب لتخصيب كمية من الاورانيوم الذي تملكه في الخارج.
وهذا فصل جديد من فصول سياسة حافة الهاوية بين ايران والولايات المتحدة. فواشنطن التي تخلت عن الحوار، تتجه مجدداً الى سياسة احتواء ما تعتبره خطراً ايرانياً من طريق تشديد العقوبات على طهران. وهي من اجل ذلك تحتاج الى روسيا والصين. وقد اعتمدت في المقاربة مع موسكو، ليونة غير معهودة حيال فوز الرئيس الاوكراني فيكتور يانكوفيتش الموالي لموسكو بالانتخابات. والكل يذكر كيف دعمت اميركا “الثورة البرتقالية” في مواجهة رجل روسيا في اوكرانيا.
وبالقدر نفسه من المرونة حيال روسيا، لا تبدو فرص انضمام جورجيا الى حلف شمال الاطلسي خلافاً لرغبة موسكو، متوافرة في الوقت الحاضر. وتسعى واشنطن الى كسب الكرملين الى جانبها في المواجهة مع ايران، في حين انها تبدي حزماً مع الصين لكسب تأييد بيجينغ. ومن هنا تأتي صفقة الاسلحة لتايوان واستقبال اوباما للزعيم الروحي للتيبت الدالاي لاما.
واذا ما نجح اوباما في تشديد العقوبات على ايران، فإنه يريد من وراء ذلك توجيه رسالة الى طهران تفيد بأن واشنطن لا تزال قادرة على تحقيق اجماع دولي ضد سياسة ايران وإظهارها بمظهر المعزولة دولياً. ويريد ايضاً ارضاء اسرائيل المتعجلة توجيه ضربة عسكرية الى ايران، من خلال التأكيد لها أن واشنطن تعتمد سياسة صارمة في الملف النووي الايراني.
وفي المقابل، تزج ايران بكل اوراقها في المواجهة، معتمدة على عدد من العوامل. فهي تعتقد ان روسيا والصين ولو أيدتا واشنطن في فرض العقوبات فإنهما لن تؤيدا فرض عقوبات اقتصادية مشددة لأن من شأن خطوة كهذه الحاق الضرر باقتصادات البلدين اللذين يقيمان علاقات اقتصادية وثيقة مع ايران.
وعليه فإن حسابات ايران تنطلق من الاعتقاد بانها لا تزال قادرة على تحمل عقوبات لا تصل الى درجة شل الاقتصاد الايراني بالكامل. وتراهن طهران من جهة أخرى على ان يوفر لها عامل الوقت مزيداً من التقدم في مجال التخصيب وفي مجال تعزيز نفوذها الاقليمي. ولا يخفى ان من شأن هذين العاملين تحصين موقعها في المواجهة مع الغرب.
وتسعى واشنطن وطهران على حد سواء الى الاستفادة من اجواء التصعيد الحالية، فواشنطن تثبت من خلالها انها لا تزال قادرة على قيادة اي عمل جماعي ضد ايران. ومن جهتها يساعد التوتر في بروز ايران قوة اقليمية لها ثقلها في الحسابات السياسية والعسكرية من غزة حتى افغانستان.
ومن المؤكد ان لكل من واشنطن وطهران حسابات دقيقة تبقي المواجهة بينهما في إطارها البارد وعدم تحولها ساخنة في انتظار الظروف التي تمكن الجانبين من الدخول في حوار. وبكلام آخر لا تبدو واشنطن متحمسة لخوض حرب أخرى في الوقت الحاضر لا تضمن انها ستقضي على طموحات ايران النووية. كما ان طهران لا تريد ان تكون هي البادئة بالحرب.
وانطلاقاً من الحسابات الاميركية والايرانية، فإن الجانبين يمارسان الان بمهارة سياسة الوصول الى حافة الهاوية التي توحي بأن المواجهة لا محالة، واقعة غداً، في حين ان كل ما يجري هو ترتيب للاوراق من الجانبين في انتظار نضج الظروف للدخول في الحوار. ولأن الحرب كما دلت تجربتا افغانستان والعراق غير مضمونة النتائج، فإن التصعيد والتلويح بها يخدمان الغرض عينه.
النهار