خطر القاعدة: هدية لإيران
أمين قمورية
الارجح ان اسرائيل ستستشيط غيظا في حين ان ايران ستشعر بالهدوء والثقة، بعد قول هيلاري كلينتون ان الخطر الايراني “حقيقي” لكن خطر “القاعدة” اكبر منه… ولو جاء توقيت تصريحات الوزيرة الاميركية قبيل التحدي الذي اطلقه محمود احمدي نجاد باعلان الشروع في عمليات تخصيب الاورانيوم حتى نسبة 20 في المئة.
الخلاصة التي توصلت اليها وزيرة الخارجية ليست زلة لسان او جوابا فرعيا عن سؤال ثانوي في مقابلة تلفزيونية عادية، ذلك ان هذا الاستنتاج هو عصارة جهد فكري سياسي ثقافي طويل للنخبة الاميركية، بعدما طرحت واشنطن على نفسها – في اعقاب صدمة هجمات 11 ايلول – السؤال الكبير: ايهما اشد خطرا على الغرب والديموقراطية، التشدد الشيعي المتمثل بنظام آيات الله في طهران وامتداداته الثورية في بعض الدول، ام الاصولية السنية التي تحض على الجهاد والتكفير والمتمثلة خصوصا بـ”القاعدة” والجهات التي ترعاها اكانت دينية ام سياسية؟
الجواب عن السؤال كان حاسما بان التشدد السلفي السني هو الاخطر. فكانت الحرب العالمية على “الارهاب” المتمثل بـ”القاعدة” واخواتها، وكان غزو افغانستان وتصفية نظام “طالبان” ومطاردة “تفريخاتهما” في كل من باكستان واندونيسيا والصومال وغيرها واخيرا في اليمن. واعادة التأكيد على الجواب نفسه اليوم بالذات في اللحظة التي تتركز انظار العالم على المواجهة المحتدمة بين الغرب وايران، تعني ان الخطر الرئيسي لا يزال هو هو، وان العدو الاول لا يزال هو هو، وان الاعداء الثانويين مهما بلغ خطرهم لا يتعين ان يشوشوا على الهدف الاساسي، وتاليا فان المنازلة الكبرى لاتزال مع المتشددين الاصوليين في “القاعدة” وما تمثل، ومع البيئة التي نشأت فيها ولاتزال تحتضنها وتمدها بكل اسباب القوة الايديولوجية والسياسية والمالية، ومن خلفها مع الانظمة التي تشجعها ضمنا او المرشحة للسقوط في احضانها. وهكذا فان باب الديبلوماسية لم يقفل مع ايران وان الضربة المباشرة او بالواسطة عبر اسرائيل التي يتكهن البعض بها ليست بعد على جدول الاعمال على رغم كل الضجيج المثار حولها.
الجملة “المفيدة” الوحيدة التي ادلت بها كلينتون على شاشة الـ”سي ان ان” لاتعني ان صفحة المواجهة مع ايران طويت او ستطوى وان تبادل الضغوط سيتوقف بين الفريقين وان الود والوئام آتيان على الطريق. فواشنطن، لا تحب المشاكسين ولا المغردين خارج سربها ولا الطامحين الى ادوار تتجاوز ما تعطيه لهم، وهي تاليا لن توقف ضغوطها على طهران قبل التأكد من “حسن سلوكها” وضمان امن اسرائيل وان تكون المشاريع الايرانية تحت السيطرة والرقابة اللصيقة. فاذا لم تلتزم ايران اقتراح التخصيب المقدم اليها ستعاقب بالعقوبات الدولية الجماعية ( كما حدثنا وزير الدفاع روبرت غيتس)، واذا لم تفلح العقوبات هناك سياسة الاحتواء على غرار ماحدث مع الاتحاد السوفياتي السابق.
لكن المفيد في الجملة المفيدة لوزيرة الخارجية، هو انه ازاء الخطر الاصولي المتجسد في “القاعدة” واخواتها والذي لايزال يحاول الضرب في عمق اميركا ويهدد مصالحها في المنطقة الحيوية النفطية وفي قلب اسيا، فان التشدد الشيعي المتمثل بايران – والذي تعتبره واشنطن اقل خطرا من نظيره السني- يصير حاجة اميركية لاقامة التوازن مع الخطر الاكبر ويكون حاجزا طبيعيا امامه، تماما مثلما شجعت واشنطن عراق صدام حسين ودعمته في مواجهة التشدد الشيعي عندما بلغ ذروته بانتصار الثورة الاسلامية ويوم كان هذا الخطر هو الاكبر بالنسبة الى الاميركيين. وهكذا لا مصلحة اميركية اليوم بكسر الحاجز الطبيعي الذي يحول دون تواصل جناحي التشدد السني بين باكستان وافغانستان وكشمير في الشرق، وبين الجزيرة واليمن والمحيط في الغرب… لكن ثمة مصلحة بتشذيب هذا الحاجز وصقله حتى لايصير يوما سدا امام المصالح الاميركية.
صراع واشنطن مع “القاعدة” قدم لايران مجموعة من الهدايا الكبيرة وخصوصا في افغانستان والعراق، لكن الهدية التي لا تقدر بثمن هو ان تتركز انظار واشنطن في هذه اللحظة بالذات، على “الخطر الاكبر” وتترك “الخطر الاصغر” طهران تتفرغ لطموحاتها الكبرى.
النهار