اسرائيلالتفاوض السوري الإسرائيليصفحات العالم

حروب كلامية… ولكن!

عبد الوهاب بدرخان
مناخ المنطقة مسموم أصلاً، لكن أي حرب لن تقع لمجرد أن هذا الإسرائيلي أو ذاك يطيل لسانه في هذا الاتجاه أو ذاك. حالياً هناك أكثر من ورشة عمل يفترض أن تبلور، أو تفشل في بلورة مخارج للإشكالات الماثلة، إيرانياً بالنسبة إلى الملف النووي، فلسطينياً بالنسبة إلى مأزق المفاوضات، وسورياً بالنسبة إلى المفاوضات أيضاً فضلاً عن مستقبل العلاقة مع إيران.
المشكلة في السياسات الدولية، كما تُدار أميركياً وأوروبياً، أنها لا ترى في سلوك إسرائيل ما يجب ترويضه ومعالجته. هذا منطق مريض مزمن، منطق مبني على دبلوماسية باتت متكلسة وعقيمة لأنها اعتادت التعامل مع ما تريد فرضه على المنطقة، وليس التعامل مع حقائقها، هناك عنصر ثابت في السياسة الغربية مفاده أن اسرائيل حليف، وفيما يؤكد الحلفاء أن أحد أهم أهدافهم أن تكون المنطقة مستقرة، إلا أنهم لم ولن يعترفوا أن الحليف الإسرائيلي لا هدف له سوى زعزعة هذا الاستقرار، رغم أنهم يدركون ذلك، فإما أن “استقرار المنطقة” مصلحة لهم وإما أنه مجرد كذبة، ولا يُعقل أن يكون الاستقرار بقبول اسرائيل بجرائمها أو لا يكون.
ضخّت إسرائيل في الأعوام الأخيرة كلاماً كثيراً عن خيار تعتبر أنه لها، وهو ضرب إيران، في النتيجة تبين أنها تستطيع فقط أن تشعل حرباً تأمل في أن تعم المنطقة كلها ويتورط فيها الجميع ولا تعرف لها نهاية محددة في أي من السيناريوهات. تبين أيضاً أن هذا ليس خيار الحلفاء الذين لا يمانعون إضعاف إيران، لكنهم يعرفون أن “الاستقرار” الذي يتحدثون عنه قد يتعرض لمجازفة تخرج الوضع عن السيطرة. هنا تختلف مفاهيم المصلحة بين إسرائيل وحلفائها، فهي ترتاح إلى سيناريو كارثي مفتوح تحقق فيه معظم أهدافها، وليس مؤكداً أن الحلفاء يحبذون مثل هذا الهوس الأعمى، ولذلك يواصلون إنعاش الحلول الدبلوماسية حتى لو ساهموا في تعقيدها في مسارات البحث عنها.
البديل من تلك الحرب غير مضمونة العواقب هو حرب أو بالأحرى حروب ضد حلفاء إيران، تجربة أولى في لبنان صيف 2006، وثانية في غزة أواخر 2008، والآن التلويح بالتعرض لسوريا كاستطراد لاجتياح جديد للبنان لن يميز هذه المرة بين مواقع “حزب الله” وبقية البلد، وربما شملت المواجهة غزة اذا تحركت. هذا يعني الذهاب إلى أقصى حد لاستفزاز إيران واستدراج تدخلها، ولاشيء يؤكد أن حظوظ هذا المخطط ستكون أفضل من التجارب السابقة. صحيح أن لدى اسرائيل تفوقاً عسكرياً يساعدها الحلفاء بحرص شديد على الاحتفاظ به بل احتكاره، لكنها لم تعد تعرف ولا هم عادوا يعرفون ما جدواه طالما أنه لا ينتج سلاماً حقيقياً وعقلانياً. ثم إن الحربين الأخيرتين خاضتهما اسرائيل، خصوصاً لإثبات تفوقها في التدمير، إلا أنها لم تغير شيئاً في الواقع الذي لا يزال يغلقها، وهناك الآن ما يقلقها، لذلك تعربد وتدق طبول الحرب.
الأكيد أن الدول الكبرى التي يُفترض أنها تدير النزاعات لم تحسن إدارة عملية السلام في الشرق الأوسط، ولا تظهر كفاءة فاعلة في إدارة ملف الأزمة الإيرانية، ناهيك عن إخفاقات إدارة الوضع العراقي المفتوح على مفاجآتها. فلا “الرباعية” ولا “الخمسة زائد واحد” أثبتتا أن لديهما رؤية، وإنما هما مجرد إطارين لتقنين الخلافات بين الكبار، وطالما أنهم معوقون وغير فاعلين بل غير مقنعين بأن لديهم إرادة حقيقية لجعل مصالحهم في سياق مصالح دول المنطقة وشعوبها، فإن المجال سيبقى سائباً أمام العبء الإسرائيلي، وبالتالي فإن هؤلاء الكبار يغامرون بوضع المنطقة تحت رحمة المهووسين الذين يصبون الزيت على النار تارة ببذاءات “داني ايالون: وطوراً بهراء أفيجدور ليبرمان.
الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى