التنافـس على خـط دمـشـق يوحي بعـودتها مرجعية
روزانا بومنصف
تشكل الحركة السياسية والديبلوماسية في اتجاه لبنان ومنه الى الخارج عبر زيارات كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري للدول المؤثرة وبعضها الجديد سيحصل قريبا هذا الشهر، متنفسا حقيقيا وفق ما يأمل البعض في وجه ما تحاول جهات الايحاء به من اعادة لبنان الى الفلك السوري عبر زيارات المسؤولين دمشق ومحاولة اعادة العلاقات بين البلدين الى مسلكها القديم. ويعتقد بعض المهتمين ان ابقاء لبنان على توازن معقول في العلاقات من شأنه ان يحفظ له توازنه نسبيا على الصعيد السياسي في الداخل والخارج وفي علاقاته الدولية باعتبار ان تراجعه في اولويات الدول الصديقة لا يعني بالنسبة اليها عودته الى رمي نفسه في احضان سوريا او دفعه الى ذلك بذريعة مماثلة في حين ان هناك خشية من استيعاب سوري مجددا للوضع اللبناني في ظل عاملين:
الاول التنافس الذي يقوم به مسؤولون او زعماء تيارات واحزاب على خط دمشق في محاولة لاظهار خصوصية في العلاقة تتقدم على محاولة رأب الصدع في العلاقات التي يتولاها جانب آخر. وهذا التنافس يسري الكلام عليه في المجالس الخاصة في معرض انتقاده باعتبار ان تواتر نسبة الاتصالات بين المسؤولين السوريين والرئيس السوري باتت تثير مخاوف مراقبين ديبلوماسيين كثر اذ لن يكون ممكنا الضغط على سوريا او مطالبتها بالحد الادنى الممكن مما هو مطلوب منها دوليا بالنسبة الى لبنان في ظل علاقات مماثلة. وهذا التنافس من شأنه ان يعيد الى سوريا مرجعيتها في شكل او في آخر لحل الاشكالات التي تقوم بين مختلف الافرقاء على الاقل في ظل اللجوء المنهجي اليها في معرض التنافس او التسابق الحاصل او خوفا على موقع او علاقة وخصوصا ان بعض ما تشهده الصورة السياسية هو مواقف لأفرقاء سياسيين ينتقدون الحكومة في حين انهم جزء فاعل فيها ومن اصحاب العرقلة الاساسية لقراراتها. وتتناول التحفظات السياسية والديبلوماسية في شكل اساسي مواقع مرجعيات كما اطراف مسيحيين باتت سوريا محجة لهم اكثر من اي فريق آخر من الطوائف الاخرى اقله علنا ولو بذرائع مختلفة.
فهذا التنافس ينظر اليه بريبة كبيرة ولو ان هناك اقتناعا بان علاقات جيدة بين البلدين امر يصب في مصلحة لبنان. لكن الانطباعات التي يخلفها ذلك على مستويات عدة ديبلوماسية وسياسية وحتى شعبية امر سلبي وله تداعيات خطرة الى حد كبير من حيث الايحاء ان لبنان يعود الى الوراء بدلا من ان يتقدم على صعيد تصحيح العلاقات على نحو نهائي ما دامت الفرصة متاحة له ولا تزال تحظى مطالبه بصدى معين اقله في ظل قرار دولي هو القرار 1701. اضف الى ذلك تسعير هذا التنافس على خلفية اشاعة عدم رضى دمشق على هذا المسؤول او ذاك في ظل الخوف من ان تأتي علاقة مرجع ما او مسؤول على حساب مرجع آخر او علاقة طائفة ما على حساب طائفة اخرى علما ان دمشق اتقنت ممارسة هذه اللعبة في لبنان ولا تزال تمارسها من خلال الاستقبالات التي تنظمها للسياسيين اللبنانيين تباعا والتي تهدف في خلاصتها الى اعادة امساكها بالوضع اللبناني وتنصيب نفسها مرجعية له.
وبمقدار ما استفز كلام الرئيس السوري الى احد الصحافيين الاميركيين حول النظام اللبناني اللبنانيين فان الامر يتعلق في العمق بما ساهمت سوريا نفسها في ارسائه في اتفاق الطائف وضياع المرجعيات تكريسا لنفسها كمرجعية لهذا وهنا في البلد حين كرست وضع يدها عليه في ذلك وجعلت نفسها وصياً ولاحقا من خلال تدخلها من اجل حكومة وفاق هي وصفة لتعطيل النظام بدلا من تسهيله وفق كل المؤشرات.
العامل الآخر يتصل بتعميم الانطباعات بان الامر عاد ليستتب للعاصمة السورية في لبنان نفوذا قويا وامتدادا عبر العلاقات مع المسؤولين ورؤساء احزاب وتيارات في ظل الصيغة الحكومية التي رست عليها التسوية في هذا الشأن. وهذا الانطباع محلي اكثر منه ديبلوماسيا باعتبار ان ديبلوماسيين غربيين كثرا يرون دائما ان اللبنانيين يعطون سوريا دورا اكبر في حياتهم ويومياتهم مما يمكن ان يكون لها او تستطيع التأثير عليه اقله وفق رؤية الخارج. هذا لا ينفي ان اعادة انفتاح الخارج على سوريا لاسباب واعتبارات مختلفة ساهمت في التأثير على الوضع اللبناني لهذه الجهة من حيث حاجة لبنان الى عدم ترك علاقته بسوريا عرضة للاهتزاز، لكن الامر يتعلق بقدرة اللبنانيين على “دوزنة” علاقاتهم بدمشق وفق القواعد الجديدة التي ارسيت وليس نسف هذه القواعد وفق ما يظهر حتى الان من مثل عدم اعتماد اي مسؤول السفارة السورية مرجعا له تحضيرا لزيارته لدمشق اللهم باستثناء عقد الرئيس سعد الحريري مؤتمرا صحافيا في مقر السفارة اللبنانية في دمشق حين زار الرئيس السوري اخيرا.
النهار