الديمقراطية التوافقية: حلّ أم مُشكلة؟
سعد محيو
لا يزال حديث الرئيس الأسد عن مخاطر النظام الطائفي اللبناني يثير ردود فعل متباينة، لكن هذه المرة نظرية جدلية لا سياسية استنفارية .
فقد أعاد هذا الحديث طرح مسألة “الديمقراطية التوافقية” على بساط البحث، ومعها التساؤل عما إذا كان هذا النوع من الديمقراطية مثيراً للسلام المدني أم للحرب الأهلية؟
وإذا ما تذكرّنا أن الديمقراطية التوافقية هي الكلمة السحرية الآن في النظام السياسي العراقي الجديد، وقد تصبح كذلك أيضاً في دول تعددية مثل السودان واليمن، وربما أيضاً سوريا وغيرها، إضافة إلى لبنان، فقد نتوصل إلى الاستنتاج بأن هذا المفهوم سيكون قريباً النجم الساطع في سماء المنطقة .
لكن، ماذا يعني هذا النوع من الديمقراطية؟
المفكر أرينت ليفارت كان أول من طوّر هذا المفهوم في أواخر الستينات، في إطار دراسته لأربع دول أوروبية تبنّته هي النمسا، بلجيكا، هولندا وسويسرا . هذه الدول تتكوّن، كما هو معروف، من سكان منقسمين بحدة وفق خطوط إثنية، دينية، إيديولوجية ولغوية، الأمر الذي جعل حكم الأكثرية غير قابل للحياة . بدلاً من ذلك، تبنت الدول الأربع أنظمة سياسية قادرة على مواجهة التحديات الخاصة التي تتعرض لها .
تقاسمت الأنظمة الأوروبية التوافقية أربع سمات رئيسة: 1 سلطة تنفيذية يتشاطرها تحالف كبير من القادة من كل فئات السكان، 2 وظائف مدنية مخصصة لكل فئة وفق نسبتها من السكان، 3 درجة عالية من الحكم الذاتي لكل فئة، 4 حق النقض( الفيتو) لقادة الفئات .
وبفضل ترتيبات تقاسم السلطة هذه، نجحت هذه الدول في سبعينات القرن العشرين في خلق وحدة اجتماعية على الرغم من الخلافات العميقة، وأصبحت بالتالي نماذج للمجتمعات الأخرى التعددية أو المجزأة . بكلمات أخرى، أصبحت التوافقية فائضة عن الحاجة بسبب نجاحها ذاته . وقد بنت هذه المجتمعات مجموعة محددة من المؤسسات الديمقراطية، وبالتالي، كانت التوافقية التي تركز على تقاسم السلطة وحماية الأقليات، مجرد مرحلة انتقالية إلى عملية الدمقرطة الكاملة .
الدكتور أسامة أبي مرشد (جامعة جورجتاون)، حدد على وجه الخصوص، ثلاث مراحل مميّزة في عملية الدمقرطة الأوروبية . الأولى، التوافقية، التي كانت مرحلة تحضيرية . الثانية، تضمنت التعزيز وضخ الممارسات الديمقراطية إلى الحياة اليومية حتى أصبحت عادية فيها . وأخيراً، اختارت النخب أن تتبع القواعد والإصلاحات الديمقراطية بدلاً من الحصص والكوتات .
ويشدد أبو مرشد على أن هذا التطور يعني أن التوافقية ليست صيغة لنجاح طويل الأمد أو هدفاً بحد ذاتها، بل هي مرحلة مؤقتة يجب أن تتطور بالضرورة إذا ما أراد بلد ما تحقيق الانتقال نحو الديمقراطية .
الباحثة مارينا أوتاوي لها إطلالة مماثلة . فهي ترى أن كل الهويات الطائفية والإثنية، وبدلاً من كونها متناغمة وأصلية، هي بنى اصطناعية يتم التلاعب بها سياسياً . هذا بالطبع لا يجعل من هذه الهويات أقل حقيقية سياسياً، لكنه لا يجعلها جزءاً من الحل . وهكذا، فحين قرر الإداريون البلجيك أن الهوتو والتوتسي في رواندا هم مجموعات إثنية متباينة، لم يقدموا لهؤلاء حلاً بل مشكلة . (مذبحة في الواقع) .
صحيح أن التوافقية تعترف بحقيقة الهويات وتمأسسها، ما يمنع انفجار الصراع، لكنها في الوقت ذاته تؤبد الانقسامات وتمنع ظهور الهوية الوطنية .
كيف كان حظ لبنان من هذه الديمقراطية، وكذلك العراق؟
الخليج