صفحات سورية

إعلان دمشق والطريق الصعب

null
سلمان حمادة
حتى لا نبني قصورا في الرمال ، أو ندغدغ عواطفنا بواقعية ما نرغب، أو نتوهم إمكانية تحقيق أحلامنا الوردية في المستقبل القريب، وحتى لا يلفنا اليأس والاستسلام ننظر بواقعية لإعلان دمشق الذي حدد خياراته بالانتقال إلى فضاء الحرية واحترام إنسانية الفرد وصون كرامته. وقال بالخيار الديمقراطي المتدرج رغم معرفته بصعوبة هذا الخيار.
حسم النقاش الذي دار في إطار المعارضة، وخرج من دوامة الفكر السياسي السائد والمأزوم والمحاصر في ايديولوجيات مغلقة يمينية كانت أم يسارية متعارضة في نهجها السياسي أم متحالفة فهي في المحصلة تتغذى من جذر معرفي واحد يجمع بينها الانغلاق والتعصب ومجافاة الديمقراطية والأخذ بمواقف ثابتة أكل عليها الزمان وشرب تحت مقولة المبدئية والثبات دون التمييز بين الثابت والمتحول في العمل السياسي.
إن صعوبة الخيار لا تتأتى من وجود نظام شمولي استبدادي يحاسب على النوايا، ويزج بمعارضيه في السجون بتهم تلفيقية. كما أن الصعوبة الأكبر والأهم هي في ما خلفه الاستبداد التاريخي و القهر التراتبي في وجدان الناس من خوف ورعب وقلق دائم مما هو آت في المستقبل، حيث عم النفاق الاجتماعي و التحلق حول المسؤول للتقرب منه لحاجة مادية أو معنوية، أيا كان هذا المسؤول، من زعيم العائلة حتى الأمناء العامين، لكل مريديه ومنافقيه دون التمييز بين اليسار و اليمين، والأدهى أنهم يصدقون هذا التكاذب .
إن عمليات الاستلاب وتغريب الإنسان عن واقعه ومجتمعه وحتى عن ذاته الإنسانية وإقصائه عن دائرة الفعل وإنكار وجوده الفردي وحصر مخاطبته في إطار الجماعة ( مصلحة الحزب، مصلحة الجماعة ، مصلحة الجماهير … ألخ ) وتحويل الجماعات و الجماهير إلى شبه قطعان ورعايا يتحكم بها الزعيم و المسؤول كما يشاء ، وهم يتسابقون لإرضائه حتى على حساب حقوقهم. إن ذلك أفضى إلى الثقافة السائدة والقائمة على ضمور مفهوم الإنسان كقيمة عليا، وتقسيم المجتمع إلى قوى متناحرة متقاتلة نافية لبعضها ( آخذين بمقولة الفرقة الناجية) والآخر دائما عدو ، والصراع معه صراع وجود، والعنف هو سيد الموقف، كل هذا 0من تداعيات الفكر الاستبدادي.
إن إعلان دمشق يطرح رؤية جديدة لمعالجة قضايانا الوطنية والاجتماعية والاقتصادية السائدة تختلف جذريا عن الرؤى السابقة، التي لم نحصد منها إلا الهزائم والتقهقر والتراجع وزيادة التخلف، والتي لم تعطي إلا أنظمة لا تخدم إلا مصالح زمرة معينة تمتلك القوة، وتعتمد في بقائها على قوة الإجبار، وعلى أجهزتها الأمنية ( كما وصفها الدكتور برهان غليون ).
إن النظرة الجديدة تنطلق من جذر معرفي يعيد الاعتبار لإنسانية الإنسان ويحفظ كرامته ويعزز دوره، جذر يقوم على مخاطبة العقل وعلى فضاء الحرية، الحرية الفردية أولا .
الفرد يشكل البداية والنهاية، بحريته تتعزز الحريات، وبقيمته تتعزز القيم، لا قيمة للحرية إذا لم تكن فردية وليس هناك من حقوق إذا لم تنطلق من الحقوق الفردية. ولا انطلاقة للعقل البشري إذا لم يكن حراً، والحرية ماهية العقل كما قال ابن رشد وهيغل فيما بعد. الحرية والعقل مفهومان متكاملان، لا ينمو أحدهما دون الآخر.
إن النظرة التي تقوم على اعتبار الإنسان قيمة عليا والحرية قيمة إنسانية نظرة توحد ولا تفرق، نظرة تحترم الجميع لا ترى هذا مؤمن وهذا كافر، أو هذا وطني وذاك خائن، وترى بالخلاف نعمة وليس نقمة، وأن الإنسان كائن عاقل مفكر وهذا مصدر قوته، والعقل الإنساني هو القاسم المشترك بين الناس، إذا حكم العقل عززت الإنسانية. إن هذه النظرة هي التي تؤسس وطنا حرا لكل أبنائه، يحمي الحدود ويصون الحقوق، وشعب حر توحده المواطنة والتساوي في الحقوق والواجبات ونبذ العنف، ودولة حديثة دولة القانون والدستور / وليس قانون الطوارئ \ ومجتمع مدني وعقد اجتماعي.
خيارٌ بهذه الصعوبة ونظرة بهذا الاتساع والطموح يلقيان مسؤوليات كبيرة على كافة القوى المؤمنة بالخيار الديمقراطي، داخل الإعلان وخارجه وخاصة منها الشريحة المفكرة المعنية بالإنتاج المعرفي، لأننا بحاجة ماسة إلى إعادة صياغة الخطاب المعرفي وتقييم ثقافة الحياة الديمقراطية والإنسانية، كما وبنفس الوقت على المهتمين والعاملين في الحقل السياسي إعادة صياغة الخطاب السياسي بحيث يصبح خطابا عقلانيا ً علمانياً إنسانياً، والتمييز بين العمل السياسي الذي يقوم على تعدد الآراء وبلورتها بطرق حوارية سليمة بعيدة عن العنف، وبين الحزبية التي سادت في وطننا والتي تحولت إلى شبه طوائف سياسية، خاصة وأننا نعرف بأن إعلان دمشق ليس حزبا بل هو ائتلاف مفتوح لكافة المؤمنين بالتحول الديمقراطي، وقد شكل هذا الإتلاف الذي يمثل القاسم الأعظم من مكونات الشعب والفعاليات السياسية على الساحة السورية نموذجا جديدا ومهما على طريق التغيير ولبنة صلبة لمستقبل نتفاعل معه ، ونأمل التوفيق.
موقع النداء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى