منتدى الأتاسي : الجيل الثاني
أحمد مولود الطيار
اعتقد النظام السوري وهذا ديدن كل الأنظمة التسلطية، أنه قادر على ايقاف مجرى الزمن لا بل اعتقد ويعتقد انه قادر حتى على ايقاف تعاقب الأجيال وسيرورة الحياة.
وينسى نظام كهذا ابتلت به سوريا وكل دول الجوار المحيط، أن الشعوب وان استكانت لفترة من الزمن، فان الأصل يعود الى طبيعته، والشعب السوري وحتى اشعار آخر قريب سيعود ” شعبا ” بكل ما تحمله تلك المفردة من معان ودلالات سياسية وانسانية. وما تجربة منتدى ” الأتاسي” على الـ”فيس بوك” الا دليل آخر على أن سوريا ليست بعاقر، وأن النساء فيها ما زلن ولادات. وما تلك التجربة، الا واحدة تضاف الى أخواتها لتعبر عن تململ وان بدا نخبويا للناظر البعيد، الا أنه في حقيقته أبعد غورا من ذلك .
استطاع المنتدى أن يجمع المشتت والمتناثر في داخل سوريا وخارجها، وأن يستقطب ولأول مرة الشباب ، لا بل استطاع الشباب أن يؤكدوا قدرة فائقة في ادارته بعيدا عن كل الطرق والأساليب التقليدية المتبعة في المنتديات، حيث تسخير تقنية هذا العصر “الانترنيت” في قدرة مميزة لم تنفع معها ولن تنفع كل طرق الحجب التي تتبعها الأجهزة الأمنية، حتى ليصح القول هنا: أن السوريين باتوا أساتذة في فك الحجب أو بلغة الانترنت “كسر البروكسي”.
شكّل منتدى “الأتاسي” في انطلاقته الأولى في ما بات يعرف بـ”ربيع دمشق” حجر الزاوية، مع كل ما حملته تلك التجربة -اعتقد نظام القهر أنه وأدها- من زخم وقوة دفع وتأثير في الحياة السياسية السورية، حيث أن محاضرات الرواد الأوائل فيه من رياض الترك الى عبد الرزاق عيد الى ياسين الحاج صالح الى ميشيل كيلو و عارف دليلة وجاد الكريم جباعي، شكلت وستشكل الرافعة ليس للمنتدى انما لكل الحراك السوري قديمه وحاضره ومستقبله.
من هنا، من الانطلاقة الأولى يكمل المنتدى خطه التصاعدي.
لم يكن الأمر مجرد مزاح قيل، أو عبث شباب كما يحلو للمتكسّلين نعته، فلقد سبق التأسيس الافتراضي حوارات بالجملة غصت بها “بروفايلات” سوريين كثر في الشتات والداخل، أظهرت كم نحن السوريون متعطشون للحوار. حوارات في السياسة والدين والقبيسيات والشعر ونقد المعارضة ونقد النظام . فمن على صفحات سهير الأتاسي وياسين الحاج صالح وخولة غازي وحسام قطلبي وملاذ عمران ونسيم خليل وسمير الدخيل ومحي الدين قصاروخلف الخلف ورزان زيتونة وخفيف الظل أحمد العساف وعساف العساف ومجد عيد ويوسف سلامة ومنذر المصري …. كانت البداية، التقطت سهير الفكرة وبدأت تناقش فيها وكبر الجنين وبدأ زخم الأفكار يتوالى وأُعلن انطلاق المنتدى .
أجمل ما في المنتدى أنه يفكر بصوت مسموع، ولم تكن سهير الأتاسي بصدد أن تقول إنني وريثة أباي والمنتدى ملكي.
صحيح أنها من أعلن الانطلاقة، لكنها خرجت منها، وكل قضايا المنتدى باتت مطروحة للحوار والتصويت من قبل جميع أعضائه وغير أعضائه، فالعضوية هنا ليست “طلب انتساب” كما هو متعارف عليه، وانما تستطيع أن تكون عضوا عبر ” كبسة زر” كما يقال، وأن تدلي برأيك وتحاور وتناقش، والقضايا المطروحة يؤخذ القرار فيها بالتصويت حسب الأغلبية.
لا يوجد في المنتدى مجلس ادارة عتيد تتصارع فيه الأحزاب لمن تكون الغلبة. فمجلس ادارته تتوازعه كل جهات الأرض الأربع، وهو مؤلف من كلّ أعضائه الفاعلين، وتحاول الادارة المؤقتة للمنتدى الآن خوض تجربة جديدة، عبر انتخاب مجلس ادارة على فايس بوك مؤلف من خمسة الى ستة أعضاء، وسيتم الاعلان عن ذلك عبر الموقع، وكل من يجد لديه الرغبة والقدرة للترشح عليه أن يتقدم بذلك و”صندوق الانتخاب” هو الفيصل.
أخيرا ربما تعتبر أسماء الجيل الثاني مثل ملاذ عمران ونور جديد وعاطف صابوني وهنادي زلحوط وحسان شمس وأحمد العساف وصاحب هذا المقال – أصحاب الأوراق المقدمة للحوار في المنتدى – أسماء لا بريق لها وليس لها الوهج والحضور ولا التاريخ النضالي ربما مقارنة مع أسماء الرواد الأوائل للمنتدى المذكورة أسماؤهم في بداية هذا المقال. لكننا وبكل تواضع نحاول أن نكمل مع كل الغيورين استلام الراية، واضعين نصب أعيينا تضحيات كل أولئك الكبار وغيرهم، خاصة ممن هم الآن في المعتقلات يدفعون من حياتهم ثمنا لحريتنا.