العلاقة السورية الإسرائيلية.
غسان المفلح
تناولت وسائل الإعلام العربية وبعضا من وسائل الإعلام العالمية، تصريحات متعاقبة ومتناقضة لأركان الحكومة الإسرائيلية، فقد صرح أيهود بارك قبل أقل من أسبوع” أنه يجب التقدم على المسار السوري الإسرائيلي، وبالتالي يجب أخذ السلام مع سورية على محمل الجد” ومعروف أن باراك قد خبر جيدا المسار السوري منذ كان رئيسا لأر كان جيش الدفاع الإسرائيلي، وشارك فيه بصفته تلك قبل أن يشارك بصفته رئيسا للوزراء في إسرائيل، وخبرته هذه لم تخلص إلى نتيجة مغايرة لما تم التاسيس عليه إسرائيليا وسوريا منذ اتفاقيات الفصل على جبهة الجولان في العام74-1975 حيث تكرست حالة أجمع تقريبا على تسميتها حالة اللاحرب واللاسلم، هذه الحالة التي لم تدرس بما فيه الكفاية ولم تفسر أسبابها ولم نستطع حتى الآن، وضع اليد على نتائجها بعد أكثر من ثلاثة عقود ونصف، وبالمناسبة كنت قد كتبت دراسة عن هذه الحالة، أيام العمل السري في حزب العمل الشيوعي في سورية، 1987 وقد تم مصادرتها، أثناء اعتقالي ومداهمة منزلي، وقد ناقشتها مع الرفاق آنذاك، ومنهم الشهيد مضر الجندي الذي استشهد تحت التعذيب في فرع فلسطين في 22 سيبتمبر 1987، والرفيق ياسر ملحم الذي لازال حي يرزق أمد الله في عمره، لأنني كنت أتحفظ على مصطلح الحزب في توصيف النظام، بكونه نظاما لاوطنيا، يقبع بين الوطنية وبين الخيانة على حد تعبير الحزب آنذاك، والغريب أنه من الوجهة تلك لازال النظام السوري في مكانه وفق ذلك المنطق، ولهذا كنت في هذه الدراسة أقول أنه علينا رمي هذا المصطلح في سلة المهملات، وكنت أحاول في هذه الدراسة البرهنة على ان حالة اللاحرب واللاسلم مع إسرائيل هي العمود الفقري، لفهم حوانب مهمة من آليات عمل جسد النظام. ومناسبة هذه الذكرى، ما يدور الآن من تصريحات بالحرب وقراءة الإعلام العربي لها. إن هذه الدراسة صودرت، وسئلت عنها من قبل ضابط كبير حينها، وكان قد أشر بالقلم الأحمر، على الفقرة التي تتحدث عن هذه الحالة، حيث قلت أنها، حالة افتراض وعلينا برهنته، فقال لي عندها، وهو يمسكها بيده” ولا ….من اين لك بهذه المعلومات؟ ابتسمت في قرارة نفسي، وقلت له هذه ليست معلومات وإنما تحليل…فرد ” كول خرى وحلل بالسجن على كيفك! وفعلا أكملنا جميعا تحليلاتنا في سجن صيدنايا لمدة إثني عشرة عاما بالتمام وزيادة شهر وخمسة أيام. وبقيت هذه المسالة تأخذ الحيز الأكبر في رؤيتي للعلاقة الإسرائيلية السورية، ولماذا أسميتها علاقة؟ لأنها كذلك بالفعل وهي مكرسة في اتفاقيات ونصوص قانونية، رعتها دول كبرى وبعض مؤسسات المنظمة الدولية. حيث عدم إنهاء حالة الحرب، لايعني البقاء فيها، وإنما هنالك تعهد مكتوب، من قبل الحكومة السورية بعدم تعرض إسرائيل لأي هجوم مهما كان من جبهة الجولان السوري المحتل. وتعهد الطرف الإسرائيلي، أيضا بعدة تعهدات، ومنها ألا يشن حربا على سورية من هذه الجبهة، ولكنه لم يتعهد مطلقا بإعادة الجولان لوطنه الأم سورية. وهذا ما جعل سورية تخرج من المعركة مع إسرائيل بأقل ثمنا مما شكله خروج مصر، التي اضطرت إسرائيل لإعادة كافة الأراضي المصرية المحتلة آنذاك إلى مصر، بينما أمنت جبهة الجولان دون أن تعيد مامعها من أرض محتلة، وهذه كما النكتة يتجاهلها كل من يتحدث عن مصر ويهاجم سلامها، بغض النظر عن موقفي من هذا السلام، ولكنه كان سلاما دفعت إسرائيل ثمنا له، بينما مع سورية لم تدفع إسرائيل أي ثمن، نتيجة لسلام غير معلن، كما يمكننا تسميته جراء ما ترتبت عليه اتفاقيات الفصل هذه. لهذا هنالك من يقول أن بهذا السلام غير المعلن ضمن الرئيس الراحل حافظ الأسد استمرار سلطته برعاية هذه الحالة، والقوى الداعمة لها. لهذا جاءت تصريحات أفيغدور ليبرمان التي قال فيها خلال مؤتمر صحافي مخاطبا الاسد “عندما تقع حرب جديدة، لن تخسرها فقط بل ستخسر السلطة ايضا، انت وعائلتك”.واضاف ليبرمان ان الاسد “لا تهمه ارواح الناس ولا القيم الانسانية، وانما يهتم بالسلطة فقط.”
صحيح ان نتنياهو بعده حاول تخفيف اللهجة، ولكن الصحيح أن الإسرائيليين باتوا الآن يلعبون اللعبة على المكشوف، لأن اي وزير خارجية في إسرائيل يعرف تفاصيل اتفاقيات الفصل لعام 1975 التي ترتبت عليها حالة اللاحرب واللاسلم، ويعرف ماذا تعني للنظام في دمشق. وهذه قضية ليست عبارة عن اتفاق شفهي، أو اجتماع على الطريقة الماسونية، لكي تبقى الأمور في إطار المؤامرة، مطلقا، بل هي وثائق ونصوص قانونية كما قلنا، من وقع يعرف تماما ماذا يريد من الطرف الآخر، ويعرف ماذا يريد منه الطرف الآخر.
تأتي تصريحات قادة إسرائيل الآن، لتحمل عدة رسائل” اولها القول للنظام في سورية وبشكل علني” دافنينو سوى” كما يقال بالشامي، هناك اتفاقيات الفصل وان السلطة بالنسبة للنظام السوري أهم شيء، ورعونة ليبرمان لا تغير الحقيقة، والرسالة الثانية” مناوشة من أجل الضغط على الفلسطينيين، ومن ثم إلهاء الرأي العام بمواقف خلبية، تبعد الإنظار عن تهرب إسرائيل من التزاماتها، حيال الغرب، وأيضا الأمر يتعلق بالتنازع داخل حكومة نتنياهو.
ليبرمان يعرف، رغم الدعم السوري لحزب الله، لكن القرار فيه يميل لصالح التيار الإيراني، وليس السوري، وكان يجب تهديد إيران إذا كان الأمر يتعلق بحزب الله، فسورية ونظامها غير قادرين على تغطية ولو جزء يسيرا من نفقات بناء الدولة الآلهية داخل الدولة اللبنانية، وهذا ما توفره إيران. النكتة أيضا هي مسارعة وليد بيك جنبلاط للوقوف مع شعبنا وقيادته! هذه نغمة ليست جديدة، ولكنها مستهلكة. ليبرمان والجميع يعرف، لا يملك قرار السلام، فكيف يملك قرار الحرب؟ ملف المفاوضات مع سورية والفلسطينيين هو بيد نتنياهو شخصيا، ولا يسمح بالاقتراب منه، ولا يعدو دور ليبرمان هنا سوى أكثر من مستشار لنتنياهو كما هو الحال بالنسبة لوزير دفاعه إيهود باراك، المنتفع من وجوده بالحكومة بعدما خسر الانتخابات الأخيرة بفارق مذل لحزبه حزب العمل، ولتاريخه، حيث أنه أضعف وزير دفاع يمر، وفق هذه التركيبة ونتائج الانتخابات التي سبقتها.
العلاقة بين الدول تكون وفق عهود ومواثيق، وعندما تكون في حالة حرب، تلغى كل هذه العهود والمواثيق، لأن للحرب عهودها ومواثيقها، كما للسلام أيضا، ولكن ما هي” عهود ومواثيق ما نحن فيه بين سورية وإسرائيل” من حالة اللاحرب واللاسلم؟ كما أنها لا تشبه الهدنة. هذا ما سوف نتعرض له في جزء آخر من هذا العنوان…يتبع
غسان المفلح- بروكسل.
الحوار المتمدن