سوريا وأميركا وعقوبات… صعبة الإلغاء
سركيس نعوم
عن سؤال: كيف يمكن تغيير الموقف العقابي الاميركي من سوريا وتالياً الغاء العقوبات الاميركية المفروضة على سوريا؟ يجيب الباحثون الاميركيون المتخصصون في العلاقات بين دمشق وواشنطن انفسهم فيقولون ان التغيير لن يحصل او بالاحرى لن يبدأ الا اذا طالب به اميركيون عاملون بل ناشطون في الدوائر السياسية المختلفة في واشنطن. ويرجحون أن تواجه اي محاولة تغيير اليوم معارضة مشتركة من الحزبين الاميركيين الديموقراطي والجمهوري.
ولا يعني ذلك طبعاً ان ليس في واشنطن مناصرون لموقف ايجابي من الغاء العقوبات داخل الدوائر المذكورة. هناك السناتور جون كيري الذي قد يدفع في اتجاه تخفيف العقوبات الاقتصادية عن سوريا اذا وجد ان سياسة الحوار معها تعطي نتائج. وهناك منظمات مؤيدة للسلام، ليبيرالية على الأغلب، طالبت بتغيير في العلاقة السورية – الاميركية منها منظمة البحث عن ارضية مشتركة (Search for a Common Ground) و”مجلس المصالح الوطنية” و”المؤسسة الاميركية للسلام”. وهناك منظمات يهودية أيضاً لها التوجه التغييري نفسه في علاقة دمشق وواشنطن. لكن في مقابل هؤلاء هناك معارضون لأي تغيير ايجابي اميركي تجاه سوريا وشكاكون في نياتها وخصوصاً معظم الكونغرس بمجلسيه. وهؤلاء يعتقدون ان الحوار مع سوريا أو اعتماد اللين معها سيكون مكافأة لنظام مستمر في دعم سياسات معارضة لمصالح اميركا الأمنية. وحده انفصال واضح لسوريا عن ايران يستحق رفع العقوبات. أما بالنسبة الى آخرين فإن سلاماً سورياً – اسرائيلياً ووقف دعم سوريا للارهاب يستحقان رفعاً لها.
لا يعني ذلك ان تخفيف ادارة أوباما العقوبات عن سوريا سيكون مستحيلاً، رغم صعوبته. بل يعني ان رفعها سيكون عملية طويلة جداً ومتعبة جداً بل مضنية وخصوصاً إذا قرر الكونغرس فرض عقوبات جديدة على ايران، واذا استمرت سوريا في تحالفها مع الجمهورية الاسلامية وفي دعم “حزب الله” و”حماس” وغيرهما وفي “الحركشة” في العراق وعدم القيام بدور ايجابي في لبنان. علماً ان ادارة اوباما كما الكونغرس لا يملكان حالياً الا املاً ضئيلاً في وجود رغبة سورية أو استعداد سوري للقيام بتغيير جذري في سياستها او على الاقل بتغيير محسوس ومنتج. ذلك ان كل ما يريان ويسمعان ليس اكثر من “ترطيب” للهجة الخطاب مع اميركا.
في اختصار يتعلق التحسن الدراماتيكي في العلاقة الثنائية بين سوريا واميركا ومستقبل السياسة الاميركية حيال سوريا بمصالح اميركا وبالمناخ الامني في الشرق الأوسط وبتغيير سوريا تصرفها والسلوك. وفي اختصار ايضاً يتوقف التقارب بين البلدين على تحقيق تقدم في المفاوضات السورية – الاسرائيلية ومعالجة مشكلات الحدود السورية – العراقية وتحسين العلاقة اللبنانية – السورية.
هل تعرف سوريا كل ذلك؟
القريبون منها يؤكدون ذلك ويعيدون الى هذه المعرفة عدم انجرافها وراء الوعود الاميركية. لكنهم يعيدون عدم الانجراف ايضاً الى مصالح سوريا الحيوية والامنية والاستراتيجية المختلفة رؤيتها اليها عن الرؤية الاميركية. ويعيدونه الى التأكد من سوء نية اسرائيل وعدم رغبتها في السلام.
اما الباحثون الاميركيون انفسهم فمع موافقتهم على ما يقوله القريبون من دمشق فانهم يلفتون الى ان احد اسباب تعثر التقدم في تصحيح علاقة دمشق – واشنطن يعود الى السقف العالي لتوقعات القيادة السورية العليا من اوباما ومن قراره الحوار مع سوريا. وذلك يدل على جهل بأميركا وطريقة عمل نظامها ومؤسساتها. او ربما يدل على موقف سوري رافض للتحسن الثنائي لأسباب مبدئية أو لعدم القدرة على ذلك.
النهار