الأسد والنظام اللبناني
زياد ماجد
يصعب فهم الجوانب الدستورية أو المؤسساتية أو حتى التطبيقية للنظام السياسي اللبناني التي يرى الرئيس السوري ضرورة تغييرها تجنّباً لاندلاع حرب أهلية في لبنان لا تحتاج نيرانها لأكثر من أيام لتشتعل، على ما قال في مقابلته مع سيمور هيرش في مجلة نيويوركر.
فإن كان الضروري تغييره بنظر الرئيس الأسد هو كل ما يتّصل بالديمقراطية التوافقية التي يقوم على أساسها نظام الحكم في لبنان، فالمسألة تحتاج لنقاش مستفيض حول البدائل المتاحة وحول تجارب المحيط العربي مع هذه البدائل ومؤدّياتها.
وإن كان المقصود هو السمة الطائفية للنظام وتجلّياتها الثقافية والمسلكية، فالأمر يحتاج أيضاً لبحث عن سبل التعاقد الوطني وشروطه وعمّا إذا كان إشهار الطائفية من خلال توزيع المناصب أسوأ أم ممارستها من خلال الاستئثار بالحكم وتغليف هذا الاستئثار بشعارات العلمنة والمواطنة.
وإن كان المطلوب إعادة النظر فيه هو الطابع المدني للسلطة السياسية في لبنان، فمن المفيد التقصّي عن الخيارات الأخرى المطروحة، العسكريتارية أو الثيوقراطية أو العائلية، التي يمكن تقييمها إذ هي موجودة منذ عقود على امتداد خريطة المنطقة.
أما إن كان تغيير القوانين التي تتيح الحريات والتعدّد والتنوّع هو المعنيّ بالقول الرئاسي السوري، فربما المقارنة مع نظم الطوارئ والمحاكم العسكرية تفيد للإضاءة على التبعات السياسية والاقتصادية والثقافية (والصحافية) للنموذجين، وأيّهما واجبٌ تغييره.
والحقيقة، بمعزل عمّا قاله الرئيس الأسد وما أدلى به بعض من تجرّأ من سياسيين لبنانيين على الردّ، هي أن النظام اللبناني هو فعلاً نظام مأزوم ويصعب استمرار الرهان على قدرته على إدارة الأوضاع في ظلّ التبدّلات الدائمة في موازين القوى الديموغرافية والسياسية والاستراتيجية للجماعات الطائفية، وفي ظل إصرار كل جماعة معنية بالتبدّل على ترجمة المتغيّرات داخل النظام والحصص في مؤسساته.
كما أنه عاجز عن التطوّر حالياً في ظل قدرة أحد الأطراف على تهميش أكثر آلياته والعمل على فرض توجّهات وتدابير على اللبنانيين جميعاً، لامتلاك هذا الطرف الأسلحة وقرارات الحرب والسلم المتأتية منها.
لكن تشخيص المواجع في النظام والبحث في سبل إصلاحه التي لا تسبّب أزمات جديدة شيء، والحديث عن التغيير والانقلاب على القائم شيء آخر. فقد علّمتنا التجارب حتى الآن أن لا بدائل جذرية تبدو ممكنة في ظل هشاشة الإجماعات الوطنية بين اللبنانيين، وفي ظل التداخل بين الوضع اللبناني الداخلي وبين أوضاع المحيط الإقليمي وسعي أطراف هذا المحيط الى اعتماد لبنان ساحة رسائل أمنية وسياسية…
على أن باب القصيد في قول الرئيس الأسد قد يكون أكثر بساطة ومباشرة من كل ما ذُكر: جعل اللبنانيين يعيشون ما يعيشه السوريون منذ أوائل الستينات.
ذلك أنه بعد الفشل في سياسة الضمّ والابتلاع ثم العودة المظفّرة من خلال الانتخابات النيابية، صار المطلوب اليوم إرسال إشارات تتذرّع بالحرص على العلاقات المتجدّدة بين البلدين بعد “حفلة المصالحات” لتوجيه النقد للنظام اللبناني (صحيفة “تشرين” من فترة، والتصريح الرئاسي بالأمس) والمطالبة بتغييره ليس لما فيه من مساوئ، بل تحديداً لما فيه من حسنات، والحرية أوّلها، فيصبح حينها أكثر شبهاً بنظام البعث، وتكتمل إذ ذاك الأخوّة بين البلدين.
واكتمالها بهذا المعنى يعني أن تستكين السياسة في لبنان لصالح “الأمن” وأجهزته، وتتلاشى منابر التعبير المستقلّ، وتتنهي احتمالات انتقال “إرهاصات” التحرّر بالعدوى، في زمن الفضائيات والإنترنت والفايسبوك والتجارة والعمّال الوافدين وغيرها مما تتطلّب مراقبته وقمعه جهوداً يحبّذ الإستبداد توفيرها لأمور أخرى ولأوقات أكثر شدّة…
أما إن تعذّر ذلك، فلا بأس حينها بالقول إن الحرب يمكن أن تندلع (بسبب الحرّيات) بأي لحظة، ليحلو الحديث من بعد في الاستقرار والتباهي بشروطه…
موقع لبنان الآن