التهديدات الإسرائيلية والرد المطلوب
لم تكن غريبة ولا مفاجئة التهديدات الإسرائيلية التي أطلقها مؤخراً كبير المستوطنين الصهاينة أفيغدور ليبرمان ضد سورية . كما لم تكن غريبة مجمل تصريحاته وتصرفاته العنجهية العدوانية . فهو عنصري إرهابي موصوف برتبة وزير خارجية . ورغم أن الفروق لا تكاد تذكر بين قادة العدو الإسرائيلي ، من جهة مواقفهم العنصرية ونواياهم العدوانية وخاصة تجاه سورية ، إلا أن الرجل القادم من أحقاد التاريخ وغطرسة القوة يبقى نسيجاً وحده .
ويبدو نتوءاً بارزاً وصوتاً نشازاً في حقلي السياسة والدبلوماسية الدوليين . وعبثاً يحاول الإسرائيليون ( رسميون وصحفيون وقادة رأي ) التخفيف من وقع تصريحاته وآثارها السلبية ، وتبرير تصرفاته وأساليب عمله . فإسرائيل تبقى إسرائيل ، وإناء العدوان لا ينضح إلا بما فيه .
ومن الواضح أن أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً قد وضعت هذا الرجل وجه قباحة في مواجهة الخارج ، كي يعزز صورة اليميني المتطرف الآخر بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة ، الذي سارع إلى محاولة رتق الأمر والتخفيف من وقع تصريحات وزير خارجيته واحتوائها بتصريحات من نوع ” إن وجهة إسرائيل نحو السلام ، وإنها تصبو إلى اتفاقات سلام مع كل جيرانها ” . غير أن شروطه المحددة لسلامه المنشود والمرتكزة على ” مفاوضات دون شروط مسبقة ، وترتيبات أمنية متينة على الأرض ” تشي بنواياه المعروفة والمبيتة تجاه الأرض والإنسان في بلادنا .
ومن نافل القول : إن التهديدات الإسرائيلية لسورية ، لن تقابل من قبل السوريين ( كل السوريين على اختلاف مواقعهم ) بغير الرفض والاستنكار . وبغض النظر عن موازين القوى التي تفرضها الأوضاع العربية المتهتكة والمناخات الدولية السائدة ، فإن قرار الشعب السوري الدائم هو التصدي للعدوان والعمل على إفشال مخططاته . وهذا ما تعرفه إسرائيل جيداً من التاريخ الطويل للصراع العربي الإسرائيلي وخاصة على الجبهة السورية . ولن تجد تهديدات نتنياهو – ليبرمان مهما تصاعدت وجوهاً خائفة أو بشوشة في سورية ، بل إرادة شعبية واحدة في صد العدوان الخارجي ومقاومته . فالإرادة الوطنية السورية فوق كل اختبار ، وليست بحاجة إلى براهين .
وبغض النظر عن بواعثها الحقيقية ومآلها ، لا بد من أخذ التهديدات الإسرائيلية لسورية على محمل الجد . فالحكمة وحسن الفطن يقتضيان ذلك . وتاريخية صراعنا مع العدو تستحضره أيضاً . إلا أن الرد على هذه التهديدات لا يكون بتهديدات مقابلة ، أو بتصريحات إعلامية من نوع ” تصريحات الإسرائيليين غير مسؤولة وعدوانية ، وتنم عن إفلاس ” ، إنما بالإعداد الجدي والمسؤول لردع العدوان والاستعداد لرده ، على قاعدة الآية الكريمة ” وأعدوا لهم ما استطعتم . . . ”
ومن البديهي – كما يعرف الجميع – أن ذلك ليس شأناً عسكرياً فحسب ، إنما يمتد ليطاول جوانب الحياة كافة . والأخطار المحتملة تستهدف الوطن أرضاً وشعباً ومؤسسات . فالقضية إذن وطنية بامتياز . وما لم يكن الرد وطنياً شاملاً ، لا يكون رداً مقنعاً وصائباً ورادعاً ، بل لا يعتبر رداً بالأساس . وما لم تستند مواجهة العدوان إلى أمتن وحدة وطنية ، تعزز قدرات الدولة والمجتمع وتفعلها ، وتضعها في مكانها المطلوب وبالوقت المناسب ، لا يتم دحر المعتدي وتفويت الفرصة عليه لتحقيق أهدافه .
وكيف يتم ذلك وسجون السلطة تحجب وراءها نخبة من الوطنيين الأحرار الذين لا حدود لتضحياتهم من أجل سورية ، والمنافي القسرية تبعد عن الوطن أفواجاً من خيرة أبنائه المخلصين ، وتحرمهم فرصة العيش فيه والمشاركة في تحصينه وبنائه ؟ !
وهل يتمكن شعب أرهقه الاستبداد والقمع ، وأنهكه الخوف والفقر والتمييز ، وهمشته سياسات الإبعاد والاستبعاد وتحريم السياسة وتقييد العمل العام من صد المعتدي والانتصار عليه ؟ !
بالمواطنين الأحرار تكون قوة البلد ، وبالحرية وحدها تصبح منيعة .
إن الرد الصحيح على التهديدات الإسرائيلية ونواياها المعلنة والمبيتة يستدعي الانفتاح على المجتمع وقواه الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية الحية ، ووضع مشاريع الإصلاح والتغيير الديمقراطي موضع التنفيذ الراهن . ويتطلب اتخاذ جميع الإجراءات القانونية والإدارية والسياسية ، التي تؤمن الحضور الوطني الشامل لجميع السوريين على اختلاف انتماءاتهم في معركة التنمية وصد العدوان وتحرير الجولان المحتل ، وإلغاء كل ما يحول دون تحقيق ذلك، أو يشكل عقبة أمامه .
فلتوضع إمكانيات الشعب السوري ( كل الشعب السوري ) في مواجهة القوة الغاشمة العمياء التي يهدد بها ليبرمان . .
بمثل ذلك يكون الرد . . وبغيره لا يستحق .
13 / 2 / 2010
هيئة التحرير
اعلان دمشق