صفحات ثقافية

محترفو التبرير

null
خيري منصور
ليس هناك ما هو أدعى إلى الرتابة وبالتالي الكآبة من رسائل يحزر المرسل إليه تفاصيلها قبل أن يقرأها لأنها مجرد نسخ متكررة عما سبقها وهذا ما يحس به المشاهدون العرب عندما يرون أناساً حفظوهم عن ظهر قلب وهم يكررون الدفاعات البائسة عن مواقف رسمية، إنهم يثيرون الشفقة اكثر من الكراهية . لأنهم مرغمون على ذلك بسبب تورطهم السياسي أو الوظيفي، وأكثر ما يشي بتورطهم هو أن كل ما يصدر عنهم من كلام موجه إلى مرسل إليه هو المشاهد الوحيد سواء كان رأس السلطة أو من ينوب عنه، هؤلاء غالباً ما يكونون من أرباع المثقفين أو انصاف المتعلمين، وجدوا ضالتهم في أقرب الأهداف التي تعبد الطرق إليها بأدبيات الاسترضاء والنفاق السياسي والمهارة في التسويغ حتى لو كان المطلوب منهم البرهنة على أن أيام الشهر هي خمسون يوماً، وشهور السنة هي ثلاثون شهراً، وساعات اليوم الواحد هي ألف ساعة وساعة على طريقة ألف ليلة وليلة .
إنهم محفوظون في الثلاجات لكن ما إن تأزف الحاجة إليهم حتماً يتم ادخالهم إلى المايكرويف وهو جهاز تسخين يشبه التلفزيون إلى حدّ ما .
ولو عدنا إلى ملفات السيرة الذاتية لمحترفي التبرير ومحامي الشيطان ومتعهدي الدفاع عن الخطايا لوجدناهم قد رقصوا على عدة حبال في عدة سيركات، وكانوا يمينيين ويساريين وليبراليين في آن واحد، وان كان القيصر قد احتكرهم في غالب الأحيان ليأخذوا له حتى حصة السماء!
وحين يتم تقديمهم بذكاء عبر فضائيات محترفة فالقصد واضح، وهو توفير اللون الأسود الذي تتضح بجواره بقية ألوان الطيف بدءاً من الأبيض، ولو شئنا تشبيههم بكائنات تُقتنى وتُعلف ويوفر لها كل ما تشاء لخطرت ببالنا على الفور تلك الكائنات التي تناط بها مهنة الحراسة، كي لا نقول شيئاً آخر احتراماً لآدمية الانسان .
أحد المشاهدين العرب وهو رجل طاعن في السن والشقاء والخبرة روى حكاية طريفة عن رجل اقتنى قطاً، وحين عارضته زوجته في ذلك، قال لها سيأتي يوم تدركين فيه ضرورة هذا الضيف، وبالفعل بعد فترة وجيزة رفعت الزوجة غطاء برميل الطحين فوجدت ثعباناً تسرب إليه، وهرعت لتخبر زوجها الذي راح يبحث عن القط، الذي سرعان ما أمسك به من عنقه وألقاه في برميل الطحين كي يشتبك مع الثعبان، عندئذٍ أدركت الزوجة أن استراتيجية الزوج في اقتناء القط واطعامه رغم شح الحال كانت مبررة .
لكن الفارق بين محترفي تبرير الأخطاء والدفاع عن كل ما يصدر عن السلطة المعصومة وبين القطط هو أن هؤلاء المحامين يتم التخلي عنهم واستبدالهم، لأنهم أشبه بما يسمى في الأدبيات العثمانية القديمة خيل الحكومة، ما أن يشيخوا أو تبح أصواتهم أو تظهر عليهم علامات الاستهلاك حتى يستبدلوا بغيرهم .
وإن كان للفضائيات من فضائل اضافية غير الرصد والسرعة في الوصول إلى الخبر فهي هذه الفضيلة، التي تظهر الناس على ما هم عليه فعلاً فالكتابة قد تتيح بعضاً من التستر واخفاء العورات، لكن الكلام المباشر خصوصاً إذا جاء في سياق ملاكمة كلامية بين خَصْمَين يفتضح المستور، وما من مجال للتأويل أو المراوغة، لهذا استطاع المشاهدون العرب خلال أقل من عشرة أعوام رصد تلك السلالة ومعرفتها عن كثب، وبالتالي التعامل معها على طريقة الرسائل التي تكرر بعضها، وتؤدي إلى الملل، وهذا ما يجعل الناس يعرفون ما يصدر عن هؤلاء قبل صدوره، وهذا أحد أسرار العزوف عنهم .
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى