العلمانيون والعلماء
نبيل الملحم
بات تعبير (العلماء) مرافق لرجال الدين، فيما رحل اليسار والعلمانيون الى مواقع الصحفيين، وربما الى موقع المعلقين على ماينشر من بحوث، وربما ينحسر مكانهم وتتضاءل مكانتهم الى مرحلة لايعود لهم فيها حتى :”حق التعليق”، ولو من باب المشاركة الهامشية على قضايا وطنية كبرى، ليست ملك احد بمفرده:
-لاديني ولا علماني ولا يساري ولايميني ولا وسط الوسط.
ماالذي حصل؟ وكيف حصل ماحصل؟ ومتى حصل ماحصل؟ والى متى سيحصل مايحصل؟ ولنلاحظ أن السؤال ينطلق من دولة علمانية هي سوريا.
الذي حصل، أن الفيزياء ستلعب بقوانينها في قوانين الحياة، كما في قوانين السياسة، ومن معطيات الفيزياء أن لافراغ في الكون، وحين يترك المكان بحيزه وفضاءه، فثمة من يحل ليملأ الفراغ، وذات يوم كان في سوريا اثنان:
واحد اسمه خالد بكداش، وثان اسمه خالد العظم.. اولها ينتمي الى الحمر، والثاني ينتمي الى البرجوازية المدنية وبمعنى ما الى الليبرالية السياسية، ومع ذلك احتلا البرلمان السوري، ورفعا رايتهما معا، ومن موقعين متنافسين، وعلى الضد من بعضهما الواحد للآخر، وفي ذات الفترة وتنتمي الى الخمسينيات، كان النهوض الوطني بكل مقاييس النهوض وعلينا أن لاننسى أن في البرلمان الخمسينات ذاته كان الشيخ الأحمر :” مصطفى السباعي ” سيد الفقهاء ، ليكون نهوض الحوار مواز لنهوض الاسواق، وبالوسع العودة الى السوق الكونية التي فتحت للبضاعة السورية، كما حال النهوض الأدبي والفلسفي الذي لاقى تجلياته في مطلع الستينيات ومنتصفها، واذا ماأحصينا اسماء أعلامنا فالطبيعي أن لاننسى أدونيس ومحمد الماغوط، وطبيعي أن نستحضر كمال خير بيك، ومن العيب كثيرا أن لانقول بأن دريد ونهاد هما من نتاج تلك المرحلة، كما الروائي حنا مينا والمؤسس فارس زرزور، وبعدهما من المؤكد أن الفورة الفلسفية التي جمعت عادل العوا، والطيب تيزيني وصادق جلال العظم ونايف بلوز، وغير الاربعة بالوسع تعداد عشرة، ليست سوى ذات المسار ، لذات الحقبة، وذات الحقبة حملت فيما حملت دلالات وان لم تكن في السياسة فانها ستلقي بظلالها على السياسة ومن بين التجليات في دلالاتها أن :
-دمشق أنظف مدينة في العالم، والكلام برسم اليونسكو، وكلها انجازات انسانية متصلة بالأواني المستطرقة ، وهانحن عدنا الى الفيزياء ثانية، فحين تنهض الفلسفة ينهض البرلمان، وحين ينهض البرلمان ينهض الناتج الصناعي، وحين تذهب المدينة الى (المدنية) تكون النظافة، وحين يكون كل ذلك يتعايش العلمانيون مع الدينيين والمذاهب مع المذاهب والعقائد مع العقائد، بما يسمح للحياة أن تتسع للجميع.
مايحصل اليوم، أن الكل يضيق بالكل، وكل الحوارات والمعارك تدور حول موقف فقهي ينقضه موقف فقهي، فيما شؤون الحياة مركولة على رفوف الحياة.
شؤون الحياة من طراز :
-فرص العمل.
-التعليم والمناهج الدراسية .
-مكانك في السوق الاقليمية او العالمية .
– قضايا العائلة والمرأة.
الرفاهية الاجتماعية وعدالة توزيع الموارد..
كلها عناوين ضائعة الى اجل غير مسمى، أما عن العلمانيين ، فعلمهم عند ربهم.. متسكعون لقطاء.
أسقطوا التاريخ من فوق أكتافهم، وأداروا ظهورهم للمستقبل فباتوا:
بلا قديم ولاجديد.
مانقوله ليس رثاء للعلمانيين، فالجنازة لاتستوجب الرثاء.
شاكو ماكو