ماذا لو تمّ تطبيق الديمقراطية بالوطن العربي؟
بوفلجة غيات
نحن نعرف حاليا واقع العالم العربي في غياب الديمقراطية كما نريدها أن تكون، ونعرف ما نتج عن ذلك من تداعيات وانعكاسات على الواقع الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والثقافي، وما تتميز به المجتمعات العربية من تخلف ومعاناة، على مستويات الأفراد والجماعات والدول والأمة ككل.
لهذا يمكن تصوّر تحوّل عالمنا العربي، بقدرة قادر إلى تطبيق الديمقراطية كما يجب أن تكون، وبصورة سليمة، فما هي التغيرات التي ستحصل؟.
أول شيء يتم تطبيقه هو معالجة القضايا السياسية بدءا بهرم السلطة. تتم كتابة دساتير سليمة مناسبة لحاجات كلّ دولة، أو إعادة كتابتها بحيث تضمن حقوق المواطنين وتحدّد عدد عُهدات الرؤساء في اثنتين وعدم إمكانية توريث الحكم في الدول التي تعتمد أنظمة جمهورية، وضبط الصلاحيات والمهام بالنسبة للدول التي تتبع أنظمة ملكية.
كما يتم تنشيط الحياة السياسية، وإنشاء الأحزاب، وفتح مجالات الترشح للمناصب العليا في دولة. وهكذا يتم إعادة تنظيم انتخابات في ظل الحريات والأجواء السياسية الجديدة، وتكون هذه المرّة نظيفة وشفافة، بحيث يشارك فيها الشعب بكثافة، لأنه متأكد من أنها ستعكس الحقيقة وأن أصواته لن تُصادر.
وهكذا يستفيق العالم العربي بعد الإنتخابات، على وجوه جديدة على رؤوس هرم السلطات، بدل الوجوه التي سئموا رِؤيتها بعد كل انتخاب، وبنسب مرتفعة. إلا أن هذه المرة تظهر وجوه جديدة متعلمة، مشهود لها بالنزاهة والإلتزام والوطنية والإخلاص.
كما أن الملوك والأمراء العرب، يلتزمون بالإنسحاب من الواجهة، ومن الممارسة الفعلية للسياسة وأن دورهم يصبح مقتصرا على احترام تطبيق الدستور، وبقائهم كرموز لوحدة الأمة، وأنهم يتبعون النماذج الغربية، كما هو الحال في بريطانيا، وإسبانيا، وهولندا…، حيث يتركون المهام التنفيذية للحكومات المنتخبة. وبهذا فهم يؤكدون أنهم ليسوا أقل ديمقراطية من تلك الدول التي يشهد لها الجميع بالتقدم والديمقراطية.
وهكذا يعطي الملوك والأمراء التعليمات لكل الأمراء من أبناء وحفدة، وهم بالآلاف في بعض الدول العربية، أنهم سيكونون مواطنين عاديين كغيرهم، وأن انتماءهم للأسرة المالكة لا يمنحهم حقوقا إضافية أو أسبقية وميزة تحمّل المسؤوليات، بل أنه عليهم التنافس مع غيرهم للحصول عليها، من خلال إثبات جدارتهم في الميدان الإنتخابي، كغيرهم المواطنين.
وهكذا يتم إنشاء أحزاب سياسية ويسمح بحرية التعبير وإنشاء الصحف والمجلات والقنوات التلفزية المستقلة، ويفتح مجال الترشح والإنتخاب.
كما تتم الحملات الإنتخابية بحيث يكون الكل متساوون، وتجرى انتخابات حرة ونزيهة، وتظهر النتائج. وهنا يستدعي الملك أو الأمير، المرشح الفائز الذي يحصل حزبه على أكبر عدد من الناخبين ليطلب منه تشكيل حكومة.
وهنا تظهر وجوه جديدة على مستوى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ووزراء جدد، ولأول مرة يشعر المواطنون بالتغيير والتجديد حقا. وهكذا تغيب الوجوه القديمة التي سيطرت على المجالات السياسية لعقود، وتغيب بعض الأحزاب التي طالما بقت في الحكم بقوة التزوير، ويغيب بعض الأمراء الذين طالما هيمنوا على مراكز السلطة، دون أن يكون للشعب رأي في ذلك، وكأن الأمراء خلقوا للحكم وأن الشعب خلق ليتفرج ويصفق.
تطبق نفس العمليات في اختيار المسؤولين وتداول السلطات، وتتوسع إلى مختلف هياكل وأجهزة الدولة، حيث يستقطب المسؤولون الجدد الكفاءات وذوي الخبرات دون أي اعتبارات أخرى.
وهكذا تعود للشباب والمواطنين عموما ثقتهم بأنفسهم وبحكامهم، وينخفض مستوى الفساد الإداري، وتظهر فعالية المراقبة، وتبدأ عجلة الإقتصادية في الدوران، وتبدأ العقول المهاجرة، من كفاءات وقدرات في العودة إلى أوطانها. ويدخل العالم العربي مرحلة جديدة من الحيوية والنشاط والتغيير والإصلاح، الذي يشمل كل المجالات الإجتماعية والإقتصادية والتربوية والسياسية.
وهنا فإن الساسة الجدد يبحثون عن مصالح دولهم وأمتهم ويرجعون في القضايا المهمة والخطيرة إلى برلماناتهم وشعوبهم إذا اقتضى الأمر. وهكذا يصبح من الصعب على الدول الغربية والدول الكبرى، التأثير على ساسة الدول العربية، ولن تستطيع دفعهم إلى تقديم التنازلات المجانية، ومقايضة المصالح الشخصية للرؤساء والأمراء والملوك، مقابل التنازل عن قضايا الأمة.
ذلك أن انحراف الحكام، يؤدي إلى فقدان ثقة الشعوب فيهم وفي أحزابهم، مما يجعل الشعوب تتخلى عنهم في المناسبات الإنتخابية. وبهذا يشعر الحكام بمراقبة شعوبهم فيسهرون على كسب ثقتها، وبهذا ينخفض مستوى نفوذ الدول الأجنبية والغربية عموما في الدول العربية.
كما أن الجامعة العربية تصبح أكثر ديمقراطية، ويصبح بالإمكان تداول أمانتها بين الدول الأعضاء، وعدم حصر جنسية الأمين العام في دولة بعينها. وبهذا تصبح الجامعة العربية أكثر حيوية ونشاطا وفعالية.
كما تتغير العلاقات بين الدول العربية، وتعمل الحكومات الرسمية على تلبية مصالح شعوبها، وتجسيد طموحاتهم في الوحدة. فتتم إزالة الحواجز بين الدول، وتختفي “البهدلة” التي يعاني منها المسافرون العرب عند تنقلهم على الحدود. وهكذا تخصص ممرات للمواطنين العرب في المطارات ونقاط العبور، الذين يمرون دون تعقيدات، لأنهم أبناء هذه الأمة العظيمة.
في حين سيمر الأجانب من أمريكيين وغربيين وذوي الجنسيات الأخرى بطريقة عادية، كما يفعلون معنا في دولهم، بحيث تكون المعاملة بالمثل.
وهكذا تحترم الدول العربية مواطنيها، فيتمتعون بحقوق الإنسان، كغيرهم من الدول المتقدمة، ويبقى كل مواطن بريئا حتى تثبت إدانته. كما يعود كل اللاجئين السياسيين العرب إلى أوطانهم، ويختفي العرب من قائمة طالبي اللجوء السياسي في الدول الغربية، وتعود للإنسان العربي عزته وكرامته، في الداخل الخارج.
وهنا ينطلق المارد العربي من عقاله وتبرز قدراته وإبداعاته في كلّ المجالات، ويفرض العرب احترامهم، و تدافع دولهم عنهم أينما كانوا في العالم، فيخاف الغربيون إيذاءهم، أو التعامل معهم بعنصرية، أو اتهامهم بالإرهاب. وبهذا لا يجرؤ أحد على سوء معاملة العرب، أو الإعتداء عليهم، عندئذ ينطبق على العرب قوله تعالى: “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون”. ويصبحون مسلمين حقا. فمتى تطبق الدول العربية الديمقراطية ويتحقق هذا الحلم الجميل؟
إنه حلم يمكن تحقيقه. وفي انتظار ذلك، نعود إلى مرارة الواقع المزري الذي نريد نسيانه، إلا أنه يأبى أن يتخلى عنا.
كاتب جزائري
القدس العربي