جواز السفر إلى الحقيقة في دبيّ.. لايزال سرّياً
روبرت فيسك
إنها حرب دعايات. أياً كان مَن قتل مسؤول «حماس» في دبيّ -ولنقُلها بصراحة- هو جزء من حرب قديمة قذرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وقد دأبوا على مدى عقود على اغتيال مسؤولي الاستخبارات من الجانبين.. فلِمَن كانت جوازات السفر؟ «جوازات» نقول؟ هي ذي إذن لحظة نتأمل فيها الوقائع.
يعتقد الكثيرون من أهل دبيّ أن انهيار اقتصاد الإمارات العام الماضي كان انتقاماً من جانب البنوك الغربية -بتحريض من الأميركيين طبعاً- لمعاقبتهم على السماح للشركات الإيرانية باستخدام دبيّ كقاعدة من أجل تشديد العقوبات إبّان الحرب الباردة/ الحارّة بين التحالف الأميركي الإسرائيلي وإيران.
والآن، يريد الأميركيون (أو الإسرائيليون، اختر ما شئت) أن يحوّلوا دبيّ إلى بيروت الخليج. وكان هذا هو العنوان الرئيس الذي طلعت به صحيفة «ذا جيروزالِم بوست» بالطبع الأسبوع الماضي، لتدمغ دبيّ على أنها مصدر خطر، بقدر ما هي كارثية على الصعيد الاقتصادي.
لكن، لنتوقف هنا دقيقة.. فقد جاء على لسان «مصدر» لهذه الصحيفة في دبيّ -وعلى القرّاء أن يستنتجوا معنى ذلك- أن قوات الأمن في الإمارة المذكورة أبلغت «دبلوماسياً بريطانياً» في دبيّ (وعلى الأرجح أنه القنصل، لأن السفارة موجودة في عاصمة الإمارات العربية المتحدة، أبوظبي) بتفاصيل جواز السفر البريطاني قبل حوالي ستة أيام مضت، لكنها «لم تتسلّم رداً مناسباً».
وإذا كان ذلك صحيحاً -وستدلي وزارة الخارجية بنَفي غاضب- فلماذا إذن لم يُعرب البريطانيون عن غضبهم على الفور حيال استخدام جوازات سفر بريطانية مزوّرة، ويتعاملوا بغضب مع تلك التفاصيل، ومع التزوير المثير للغضب هو الآخر، قبل أسبوع من الآن، خصوصاً وأن إساءة استخدامها من شأنه أن يلحق الأذى بكل مُواطن بريطاني؟!
لكن مسؤولي وزارة الخارجية، الحرصاء دائماً على تحذير الرعايا البريطانيين من المخاطر التي قد يواجهونها في الشرق الأوسط، تقاعسوا هذه المرة عن القيام بدورهم وخدعوا الجميع.
إذا كانت التفاصيل متوافرة لديهم، فإن واجبهم تجاه المواطنين البريطانيين كان يملي عليهم أن يتحدثوا عنها. وإذا لم تكن تلك التفاصيل بحوزتهم، كان حرياً بهم أن يخبرونا. لكنهم صمتوا؛ لماذا؟ هل ثمة نسمة باردة قادمة من تحت باب مغلق؟
الكثير من أجهزة الشرطة تقوم بإرسال عناصرها إلى إسرائيل لكي تعلمهم فنون «الإرهاب». وقد قام الكنديون بالفعل بإرسال فريق من عناصر الشرطة إلى تل أبيب، التي سمحت لهم بارتداء «سترات الانتحاريين» بغية التقاط الصور الإعلانية. كما تقوم شركة الخطوط الجوية الفرنسية «إير فرانس» حالياً بتسليم قائمة تتضمن التفاصيل كافة عن المسافرين على متن الطائرات التابعة لها -وهي بالطبع ستذهب مباشرةً إلى الإسرائيليين- وذلك على الرغم من توافر الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن ضباط الأمن الإسرائيليين (مثلهم مثل مئات ضباط الأمن العرب في منطقة الشرق الأوسط)، قد يكونون متورطين في جرائم حرب.
الآن ثمة إضافة بسيطة؛ إذ يبدو أن السلطات في دبي أعطت السلطات البريطانية الجوازات الإيرلندية المزورة (أو التي يُزعم أنها مزوَّرة) ظناً منها أن دبلن لاتزال من المدن الرئيسة في المملكة المتحدة.. قد يكون من البديهي القول إن الأوضاع في دبلن قد تغيّرت منذ نحو 100 سنة -علماً أن عدد القراء الذين يعرفون متى استقلت دبي عن بريطانيا قليل جداً- لكن هذا الخطأ الجوهري يشير إلى أن تصور دبي عن الأحداث (أي عجز البريطانيين الغامض عن تفسير سبب صمتهم) قد ينطوي على حقيقة مؤلمة.. ألا يجب أن يهمنا الأمر (نحن البريطانيين؟ غوردون براون؟ الخ.. الخ) عندما تقوم مجموعة من القتلة باستخدام جوازات سفر يُقال إنها بريطانية؟!
لايزال الوقت مبكراً للإجابة عن هذا السؤال.. لكن يجب أن أضيف بأنه توجد لدى سلطات دبي معلومات أخرى لم تكشف عنها حتى الآن.. والعالم يترقبها.
ترجمة – علي الموعي ومالك عسّاف
عن «ذي إندبندنت» البريطانية
تاريخ النشر : 2010-02-18
أوان