«التحالف المؤيد للغرب»
حسام عيتاني
تقلص استخدام عبارة «التحالف المؤيد للغرب» في وصف ائتلاف الرابع عشر من آذار (مارس) في لبنان في الصحافة الأجنبية بقدر تضاؤل اهتمام الصحافة تلك بمجريات الأحداث اللبنانية.
وكانت السياسات القومية واليسارية ثم الإسلامية كرّست طوال عقود، شعوراً عاماً بخطر التأييد الغرب وبانطوائه على عداء لمصالح شعوب المنطقة العربية. ولا تتسم بالحصافة عادة أقوال المسؤولين الغربيين الذين يرون في بعض القوى السياسية العربية مؤيداً محتملاً للغرب. فيصبح كل من يمالئ السياسات الغربية ولو على حساب الحد الأدنى من الالتزام بالمصالح الوطنية العامة حليفاً للغرب.
وليست قليلة أسماء مجرمي الحرب والفاسدين والمستبدين في العالم العربي وخارجه التي حاز أصحابها وسام «تأييد الغرب». والحال، أن الغرب مقولة خلافية (ما هو أو من هو «الغرب»؟)، تماماً كسياساته حيال القضايا العربية وتماماً كطبيعة القوى التي يساندها بين ظهرانينا وكل ما يسعى إلى حمايته والدفاع عنه عندنا. ولا تفعل رؤية ثنائية إلى عالم مكون من خير وشر، سوى افتراض وجود شرق يحمل قيم العدالة و»المظلومية» والحرية في وجه غرب ظالم ومعتدٍ…
في لبنان، يظهر «التحالف المؤيد للغرب» بحسب الاستخدام الرائج في وسائل الإعلام الغربية، كغيره من القوى التي يعتبرها الغرب حليفة له. وإذا حُصر تفسير التأييد أو الولاء للغرب بتنفيذ قوى 14 آذار رغبات حكومات وإدارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لبدا ثمة تفاوت أصلي أو أولي في نهج الغرب في السعي إلى تنفيذ إرادته، خصوصاً بعد خروج جاك شيراك ثم جورج بوش من موقعي الحكم في بلديهما وانتقال السلطة إلى نيكولا ساركوزي وباراك أوباما السائرين في طريق التهدئة في المشرق العربي. التفاوت هذا ظهر واضحاً في المآلات التي انتهت إليها القوى «المؤيدة للغرب» التي تضع التماسك والتناغم في ما بينها في مقام الأولوية القصوى، بحسب ما دلت كلمات قادتها في ساحة الشهداء أمس، وذلك في انتظار تطورات خارجية قد تكون عاصفة.
لكن السؤال الأبعد يتعلق بالغرب الآخر، إذا جاز القول. غرب الحداثة والحريات والحقوق المدنية والديموقراطية والحكم عن طريق صناديق الاقتراع. وباستثناء قشرة رقيقة من الدعاية التي بدا تهافتها صارخاً في ممارسات إدارة جورج بوش، ليس في الغرب من يرى في القيم المذكورة مسألة تستحق التبني في شرق الهويات المتناحرة والطوائف والعشائر المتحالفة تارة والمتنازعة تارة أخرى. هذا من دون الاقتراب من تنويعات ليبرالية أو اشتراكية ديموقراطية أو ماركسية للقيم والمفاهيم تلك. فالخصوصيات، السيئة السمعة، تنتصر دائما على قيم المواطنة والدولة والفرد.
واقع الأمر يقول أن التحالف المؤيد للغرب في لبنان، لم يكن مُدافعا عن القيم هذه دفاعاً يركز عليها في ذاتها ولا ينظر إليها كعوارض جانبية تلازم تحرر بلده من الوصاية وكلازمة إنشائية تتكرر لضرورات البلاغة اللفظية.
المثال الأبسط والأقرب إلى التناول هو ما يُقصد عادة بكلمة «الدولة». وليس من مستمع واحد لخطابات ساحة الشهداء أمس تفوته ملاحظة أن لكل خطيب مفهوماً للدولة يختلف بكثير أو قليل عن مفهوم الخطيب الذي سبقه أو تلاه. هكذا تقول التجربة، على الأقل، طالما أن الخطباء هؤلاء لم يتفقوا في ما بينهم، بعد، على معنى الكلمة.
الحياة