إيران – أميركا: النَفَس الطويل
محمد إبرهيم
في كل ما يصدر حول الملف النووي الايراني تترسخ أكثر فأكثر اتجاهات “النَفَس الطويل”.
لم تعد اسئلة الصحافيين حول احتمالات الضربة العسكرية لايران تستحق عناء الرد من المسؤولين الاميركيين. وعندما يتعلق الأمر بالاسرائيليين تكثر الاشارات الى أن واشنطن تُفهم اسرائيل أن الضربة العسكرية غير واردة.
المزيج الذي استقرت عنده صيغة “معالجة” الوضع الايراني هو الذي عبرت عنه هيلاري كلينتون أخيراً والذي يعطي وزناً خاصاً للوضع الداخلي الايراني.
فالعقوبات الدولية المنتظرة ستستهدف “الحرس الثوري” وامتداداته الاقتصادية، والخطر على ايران هو “الديكتاتورية العسكرية”!.
هذا التصنيف الجديد يعني من ناحية أنّ واشنطن كانت تثمّن مداولة السلطة بين المحافظين والاصلاحيين في النظام الاسلامي، ويعني من ناحية أخرى المراهنة على تفكك الوضع الداخلي الايراني، نتيجة ضغط العقوبات وتجذير المعارضة الداخلية.
هذا بالطبع من دون اغفال الاستعداد لاستقبال انعطافة مفاجئة من النظام في اتجاه التقاط “اليد الأميركية الممدودة”.
هذه الصيغة مريحة لواشنطن، خاصة أنه ما من تقرير يشير الى أن وتيرة تقدم التقنيات النووية الايرانية، توازي تصريحات بعض المسؤولين الايرانيين. لا بل اللافت هو سعي المسؤولين الأميركيين الى تخفيف وقعها بالاشارة الى أن معظمها تبجحات.
بهذا المعنى يمكن القول أن ما يهم واشنطن هو مستقبل النظام الايراني وليس مدى تقدمه النووي، الذي يبدو بعيداً وفق التقديرات الدولية المحايدة عن التهويلات التي رعتها الادارة الاميركية السابقة، ولم تتخلّ عنها الحالية تماماً لكن بوظيفة محدّدة هي المزيد من العقوبات.
في المقابل لا تبدو طهران “منزعجة” تماماً من مسلك ادارة باراك أوباما. فالعقوبات المنتظرة ستفقد الكثير من “اسنانها” مع وصول القرار الخاص بها الى نهاية مطاف المساومات الدولية. والتنفيذ الدقيق شبه مستحيل مع تضارب المصالح المعلن للافرقاء الدوليين، خصوصاً أن مستوى الاستنفار الدولي من مخاطر نووية ايرانية لا علاقة له لا بالسقف الاسرائيلي، ولا بالسقف الأدنى منه أي الاميركي.
وطهران التي لم تتأثر بالطبع بقول كلينتون انها تتجه نحو ديكتاتورية عسكرية، مطمئنة الى مسار الوضع الداخلي، والى القدرة على تعبئة أنصار استمرار الثورة الاسلامية، ولا تشعر تالياً بأن النظام مهدّد، ولو اقتضى الأمر الظهور بمظهر من يقمع معارضة داخلية ملتبسة اسلامياً، ويزيد التباسها كلما توسعت دائرة تأييدها الخارجي، وانضمت اليها فئات المعارضين التقليديين للنظام الاسلامي داخل ايران وخارجها. إيران تحتاج الى وقت وواشنطن تحتاج اليه ولا شيء يمنع أن تمرّ السنوات القليلة المقبلة وفق هذه سيناريوات الصعود والهبوط في ما يسمى الملف الايراني دولياً.
لكن التفاهم الواقعي الاميركي – الايراني على حدود المجابهة لا يتناول حصراً القضية النووية ومتفرعاتها.
فالولايات المتحدة وايران “مشتبكتان”، بمعنى انهما متداخلتان في القضية الأوسع، والتي تعتبرها واشنطن حربها الأولى، أي ارهاب “القاعدة” ومتفرعاته. على هذا الصعيد تبدو العلاقة الاميركية – الايرانية معقّدة. فايران تملك القدرة على الفعل في ساحات مؤثرة مباشرة أو على نحو غير مباشر في تصاعد ضبط موجات الارهاب الاسلامية.
هي قادرة على التأثير في العراق وافغانستان وفي اليمن وتالياً الصومال. وفي هذه “الساحات” تعرف واشنطن أن دوراً سلبياً ايرانياً، ومن دون قيود يمكن ان يعقّد المعالجات الاميركية المتعثرة في أقل تقدير.
مثلما تعلم أن حالات التعاون المعلنة أو الخفية ساعدت في أحوال كثيرة على ضبط الأوضاع في مُستنقعات حدّدت واشنطن تواريخ لمغادرتها، لكنها لا تبدو حتى الآن في طريقها الى مغادرة أوضاع مستقرة، هذا إذا أمكنها المغادرة أصلاً.
وإذا وضعنا ارهاب “القاعدة” ومتفرعاته جانباً نجد أن لايران مدخلين أساسيين على القضية الفلسطينية هما “حماس” في غزة و”حزب الله” في لبنان، عدا عن التحالف الإيراني – السوري الثابت رغم تغير المعطيات في مراحل مختلفة.
هذا يوسع إمكانات الرد الايراني في حالة مواجهة شاملة مع ضربة أميركية أو اسرائيلية، لكنه قادر أيضاً على التأثير في حالة المراوحة الاميركية – الايرانية، على الأقل في منع واشنطن من توظيف المدخل الفلسطيني في معاركها الشرق الأوسطية الأخرى.
“النَفَس الطويل” الذي يبدو مصلحة اميركية – إيرانية مشتركة في هذه المرحلة، يسمح لواشنطن بالتفرغ لحربها الأولى على الارهاب الاسلامي، لكنه لا يمنحها مقومات النجاح في حرب واحدة فكيف في حربين؟
النهار