قواعد لعبة جديدة في المنطقة
محمد جمال باروت
هل ما يجري حتى الآن هو «مناورات» تستهدف تحسين شروط اللعبة ما بين إيران والغرب للوصول إلى تسوية حول المشروع النووي الإيراني؟ وبالتالي فإن المرحلة الراهنة هي مرحلة تغيير قواعد اللعبة؟ أم أنه طريق في اتجاه واحد، يشكل الانتقال إلى مرحلة فرض «العقوبات» «الذكية»، أو «الموجهة» إحدى محطاته الضرورية التي لابد من المرور فيها الآن؟ وبالتالي لم يعد السؤال الآن: هل بدأت مرحلة «العقوبات»؟ بل هو: ما نوع هذه العقوبات؟
تعكس هذه الأسئلة تعقيد الأزمة الجديدة التي فتحتها إيران وليس الغرب، بتخصيبها اليورانيوم إلى مستويات تثير صفارة الإنذار لدى خصوم إيران عن قرب تحولها إلى«أمة نووية». فمن يطالب بتغيير قواعد الصفقة التي تم التوصل إليها قبل أربع سنوات بين إيران والغرب، هو إيران وليس الغرب. ويبدو العنوان الظاهري لمحاولة تغيير تلك القواعد في استعداد إيران لإبرام صفقة جديدة لتبادل الوقود النووي حتى مع الولايات المتحدة الأميركية نفسها بشروطٍ معينةٍ، وتحت رقابة وكالة الطاقة الدولية، ولكن فوق الأراضي الإيرانية، بينما يتمثل العنوان الاستراتيجي الأخير في «تبليع» الغرب مبدأ «التعايش» مع إيران نووية، وتكريس الاعتراف بقوتها الإقليمية.
وفي السيناريو الأخير، لا شيء يمنع ضمن قوانين مصالح الدول أنه يمكن التفاهم بشكل «مضبوط» حول الكثير من المشكلات المعقدة التي ترتبط برمتها بقضايا الأمن واستقرار النظام الإقليمي والدولي، بما فيه إسرائيل والنفط ومايدعى بقضايا «الإرهاب». وفي هذا السياق لاشيء يمنع أن تتحول التفاهمات في شروط معينة إلى شراكات، تكون فيها طهران من صانعي سياسة الإقليم وليست من أصحاب الدور والوظائف فيه. إن فكرة «التعايش» المضبوط مع إيران نووية ليست جديدة، فلقد كانت قبل ثماني سنوات على الأقل فكرة شديدة الحضور لدى موظفي الصف الثاني في الإدارة الأميركية، لكنها لم تكن مقبولةً «سياسياً». ومع ذلك كان ما أثمرت عنه هو حدود الصفقة التي أبرمت قبل أربع سنوات، والتي ظهر واضحاً فيها قدرة إيران بذكاء وبراعة على استثمار تعثرات السياسة الأميركية وإخفاقها في مرحلة بوش من خلال ربح الوقت.
تنقض إيران الآن هذه القواعد من منطلق عناصر القوة التي تمتلكها: القوة الإقليمية في تحولات الإقليم وتحالفات القوة الفعلية «الضاربة» التي لا يمكن الاستهتار بها أبداً، ولاسيما في العراق، والقوة التقنية في تملك تقنية التخصيب، وقوة الإرادة السياسية في عدم الرجوع عن التخصيب، والاستعداد لمواجهة العقوبات من دون إغلاق مسار المفاوضات. وتبدو الحسابات واضحة. بالنسبة إلى إيران هو السير في طريق «إيران نووية» مغطى تسلحها النووي بملاطات سلمية، وانتزاع «التعايش» معها، وحينذاك سيكون لعملية استقرار النظام الإقليمي أبعاد أخرى. وهذه القوة ستكون لصالح قوة الدولة الإيرانية وليس قوة نظام سياسي بعينه. وهذا مشترك على مستوى الرؤية بين المحافظين والإصلاحيين. بينما بالنسبة إلى إسرائيل المسألة واضحة، وهي اغتنام هذه الأزمة في ظل «تقييدها» عن القيام بعمل مستقل لا تستطيع أن تسير فيه بمفردها أبداً. ولقد جاءت زيارة نتنياهو لموسكو في هذا السياق، لكن نتائجها لم تحرز شيئاً إسرائيلياً ذا أهمية فائقة. فوضع موسكو العقوبات في دائرة الاحتمالات لا يعود إلى زيارة نتنياهو، بل إلى موقف روسي سابق ومشروط منذ سبتمبر (أيلول) الماضي. أما بالنسبة إلى المسرح الإقليمي العربي، وتحديداً ما يوصف بقواه «المعتدلة»، فإنه ليس مهيئاً لقبول إيران نووية، لكنه لم يعد مهيئاً لقبول فصلٍ آخر من عقوبات «ذكية» قد تزيد من تعقد الأزمة، وليس من حلّها، ويضع المنطقة في اضطراب جديد محتمل خلال العقدين المقبلين على الأقل، لن يكون أمنها الداخلي نفسه بمنجاةٍ من تداعياته. فحتى تؤثر هذه العقوبات بطريقة «الثمرة» الآيلة إلى القطف، تحتاج إلى ما لا يقل عن عقد واحد، كما بينت تجارب الماضي مع العراق، بينما تحتاج إزالته إلى أكثر من ذلك. وفي غضون ذلك إذا ما كنا سنملك شيئاً من استطلاع ما يمكن أن يحدث قد يتراجع التعريف النفطي الأميركي للمنطقة في حال نجاح استراتيجية الوقود البديل الأميركية المستهدف تحقيقها في العام 2025، بينما تكون المنطقة قد ربحت المشكلات فقط.
دول هذا المسرح هي الأضعف في المرحلة الجديدة، التي يمكن وصفها بمرحلة إعادة بناء قواعد اللعبة، وهي لا تلعب حتى الآن كفريق مشترك يعيد هيكلة نقاط قوته ضمن نطاق مصالحه المشتركة نفسها، والوقت لا يعمل لمصلحتها، بل ضدها، كما عمل دوماً في العقود الماضية، بينما منطقة الخليج غدت جزءاً من مفهوم الأمن القومي واستراتيجياته لقوى دولية عديدة بما فيها تركيا والهند. حتى مايو (أيار) المقبل، والتي ستعقد فيه إدارة أوباما القمة العالمية حول التسلح النووي، والحد من انتشاره، والحيلولة دون حصول قوى حكومية، أو «إرهابية» غير حكومية عليه، سترتفع وتائر مسارات التفاوض وتهيئة العقوبات وشحذ أسنان المصالح والبحث عن صفقات. المسرح الإقليمي العربي يمكنه أن يستجمع، حتى تحت مظلة سياسة أوباما المعلنة بخصوص التسلح النووي نقاط قوته، حول إخلاء المنطقة من أسلحة التدمير الشامل، والسير في عملية سلام حقيقية.
كاتب من سورية
أوان