الحقيقي والمضمر في حديث الحرب
خالد غزال
يدور منذ فترة في العالم العربي، ومنطقة الشرق الأوسط، حديث متزايد عن إمكان نشوب حرب اقليمية بطلها الرئيسي اسرائيل، التي تستهدف ضرب النظام الايراني اولا، ثم لبنان وسورية.. تضرب مواعيد لهذه الحرب، فالبعض يراها مباشرة، وفي وقت قريب جدا، فيما يحدد آخرون الربيع المقبل، او فصل الصيف في اقصى حد.. وما يساعد على الخوف من اندلاع الحرب نوع التصريحات الاسرائيلية المتضاربة، وردود الفعل المتوعدة ايرانيا وسوريا ولبنانيا.. يحار المواطن العربي في قراءة هذا الضجيج، ويسعى المحللون لاستكشاف الحقيقي من التهديد والوعيد.. ما الذي يقع منه في سياق الفعل الممكن حصوله؟ وما الذي يمكن ادراجه في خانة التهويل؟.. مع العلم ان انسداد المفاوضات والتسويات والاختناق في الحياة السياسية، يمكن له ان يولد انفجارا في المنطقة الشرق اوسطية التي تحمل في جوفها كل عوامل تحول النزاعات فيها الى حروب عسكرية.
قد يكون الترجيح الأقرب الى الواقع، أن حديث الحرب اقرب الى التهويل منه الى الانفجار. ينبع هذا الحكم من افتراض ان اسرائيل المعنية مباشرة بتهديد دول المنطقة، تدرك جيدا كلفة الحرب عليها، خصوصا ان طبيعة هذه الحرب سيغلب عليها من الجانب العربي والايراني القصف الصاروخي الذي تملك مقوماته الدول المعنية، وتدرك ان الصواريخ ستطول كل موقع ومكان في اسرائيل، بصرف النظر عن اختلال ميزان القوى العسكري العام لمصلحة إسرائيل.
وتعرف اسرائيل ان «الحرب الصغيرة» التي خاضتها في تموز 2006 مع حزب الله اللبناني، يمكن لها ان تكرر قصف المدن الاسرائيلية بشكل اوسع وافعل من السابق، من دون ان تكون لاسرائيل القدرة على ايقافها. وفي هذا المجال يمكن النظر الى التهديد السوري بجدية، اذا ما تعرضت سورية الى هجوم. وشيك أو لاحق، حيث يصعب تصور أن الحكومة الإسرائيلية ستغامر في وضع ارضها ومراكزها المدنية والعسكرية تحت رحمة الصواريخ الإيرانية والعربية.
لكن سؤالا يفرض نفسه بالاستتباع، ويقوم على التدقيق في ما اذا كانت اسرائيل ستشن هذه الحرب.. إذ ترغب اسرائيل فعلا في عمل عسكري ضد ايران لمنعها من تنفيذ مشروعها النووي.. لكن الجميع يدرك ان قرار الحرب هذا، هو قرار اميركي اولا واخيرا، وانه من الصعب ان تنفرد اسرائيل بشن مثل هذه الحرب من دون الإذن الاميركي.. والسوابق كثيرة في مثل هذه الحالات، حيث كان القرار الاميركي هو النافذ، وليس الآمال والرغبات الإسرائيلية.
ما تقدمه الوقائع كل يوم لا يقع في منطق اميركي يستعجل الحرب على ايران، بل ان كل الشكوك تصب في عدم ولوج هذه الحرب، بل استخدام انواع اخرى من الضغط لإفهام ايران بحدود دورها الاقليمي، الذي ينبغي ألا يتجاوز حدودا معينة.. يترافق ذلك مع تقدير بأن الولايات المتحدة تحتاج إلى النظام الايراني ليكون فزاعة لدول المنطقة، التي ستجد نفسها مجبرة على طلب الحماية الاميركية الدائمة لها.
اما في ما يخص الحرب على سورية، فإن اسرائيل لم ترغب يوما في المس بالنظام السوري الذي استطاع ان يمنع اي خلل عسكري ضد اسرائيل منذ توقيع اتفاقات وقف النار في العام 1973. حتى ان التهديد الذي أطلقه وزير الخارجية الاسرائيلية بإسقاط النظام السوري، سرعان ما تبرأ منه رئيس الحكومة نتنياهو، واعتبره لا يعكس الموقف الإسرائيلي من الحكم في سورية.
يبقى في شأن إمكان الحرب على لبنان، فإن اسرائيل تدرك ان العمل العسكري لحزب الله ضدها قد انتهى مع حرب تموز 2006، ومجيء قوات الأمم المتحدة، وان اسرائيل تعتبر أنها نجحت في نقل حزب الله من المرابطة على حدودها، الى غرقه في الوحول والسياسة الداخلية اللبنانية.. لذا لا ترى ان الوضع الحالي الهادئ كليا على حدودها الشمالية يستوجب إعلان حرب على لبنان.
اذا انتقلنا الى المقلب الآخر من السؤال بحيث يطرح: هل تريد ايران اعلان حرب على اسرائيل؟ وما الاهداف التي ترمي اليها من هذه الحرب؟
من الواضح ان الجواب يقع في باب احتمال غير المتوقع. فما ترغب به ايران أن يتم الاعتراف لها بموقع متميز في الشرق الاوسط، وبنفوذ في التسويات التي يمكن ان تحصل، اي بكلمة أخرى، تريد مشاركة اسرائيل وتركيا في الهيمنة على المنطقة، وليس محاربتهما.
وفي ما يخص الحكم السوري وتهديداته لإسرائيل وما رافقها من تطبيل «ديماغوجي»، خصوصا في لبنان، فإنه من المفيد التدقيق في الكلام السوري. ما صرح به وزير الخارجية السوري وليد المعلم من تهديد اسرائيل بقصف مدنها، أتى في سياق القول إنه اذا اعتدت اسرائيل على سورية، فستواجه بمثل هذا الرد. من الطبيعي ان يأتي جواب الوزير السوري على هذا النحو، فلن يكون الجواب بأن سورية سترد بالورود والرياحين على قصف اسرائيل لها، لكن الوزير لم يقل، مثلا، إن سورية لم تعد تتحمل احتلال اسرائيل لأراضيها في الجولان، وانها قد تلجأ الى الوسائل العسكرية لتحرير هذه الارض.. لو جرى النطق بمثل هذا الموقف لأمكن اعتباره تهديدا حقيقيا بقيام الحرب.
يبقى موقف حزب الله الذي يكرر دوما انه لا يرغب مطلقا في حرب مع اسرائيل، وهو خطاب يتكرر على لسان الامين العام للحزب، لكن الخطاب اياه يكرر ما قاله وزير الخارجية السوري من ان الحزب سيرد بقوة اذا ما اعتدت اسرائيل على الأراضي اللبنانية.
يبقى تعيين المضمر من هذه التهديدات التي تقض مضجع كل مواطن من إمكان نشوب الحرب، فكما جرت الاشارة إلى ان وضع المنطقة، وانسداد افق التسويات، والاحتقان المتواصل، تشكل عناصر متفجرة يمكن أن تقود الى حرب، لكن التحفظات حول هذا الاحتمال تطرح منطقا يغلّب الهدف الذي يسعى اليه الجميع للجلوس إلى طاولة المفاوضات، كل بشروطه ومطالبه.
ليس غريبا في علم السياسة ان التهديد بالحرب يكون اقصر الطرق للوصول الى السلم، وهذا ما يمكن استخلاصه من ضجيج الكلام الكبير حول مصير المنطقة في القريب العاجل.. لكن موازين القوى الراهنة، لا تعمل بشكل يسمح بتحقيق تسوية عادلة تجبر فيها اسرائيل على الانسحاب من الاراضي المحتلة، وتعطي بعض الحقوق للفلسطينيين، او تتراجع عن حلم ضرب المشروع النووي، وهي كلها عناصر تجعل من فتيل الحرب قابلا للاشتعال.
أوان