ضوء غير أخضر لحرب إسرائيلية
سعد محيو
ماذا يعني غرق أمريكا حتى أذنيها في مستنقع حروب جنوب آسيا، وانقطاع أنفاسها في منطقة الصراع العربي- “الإسرائيلي”، وتورّطها في المستنقع الإيراني؟
أمر واحد: إطلاق يد “إسرائيل” في الشرق الأوسط، ليس لملء الفراغ الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة (فهذا الفراغ لما يحدث بعد)، بل للحفاظ على “أمن” الهيمنة الغربية فيه، أساساً عبر استخدام الهراوة العسكرية .
صحيح أن واشنطن، من خلال نائب الرئيس إلى قائد هيئة الأركان مروراً بوزيرة الخارجية، تذكّر “إسرائيل” آناء الليل وأطراف النهار بأنها غير مستعدة في هذه المرحلة لمنحها الضوء الأخضر لشن غارات جوية على إيران، وأنها ستمارس على هذه الأخيرة خلال الأشهر القليلة المقبلة خنقاً اقتصادياً قد يكون أشد مضاضة من التدمير العسكري، إلا أن هذا القيد لايمنع تل أبيب من التصرف كأن الحرب واقعة لا محالة حتى لو ب”ضوء غير أخضر” .
لماذا؟ لأن ما هو حقيقة في الميزان بالنسبة إليها ليس امتلاك أو عدم امتلاك إيران ل”القنبلة” (على رغم الدلالات الاستراتيجية المهمة لذلك)، بل مستقبل “النظام الإقليمي “الإسرائيلي” في المنطقة” .
ففي غياب مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي أُطلق في التسعينات لإسباغ الصفة الرسمية على الهيمنة “الإسرائيلية” المُطلقة على المنطقة، لا تجد “إسرائيل” مناصاً من استخدام عضلاتها العسكرية لمنع بروز أي تحدٍ جدّي لهيمنتها الإقليمية الراهنة .
الأمر هنا يشبه إلى حد بعيد وثائق الأمن الاستراتيجي الأمريكي التي كانت تصدر سنوياً في عهدي الرئيس بوش، والتي كانت تركّز كلها على أن المهمة الأولى للولايات المتحدة “هي منع بروز أي منافس لزعامتها ولتفوقها العسكري والاستراتيجي الكاسح في العالم، عبر استخدام شتى الوسائل” .
“إسرائيل” أيضاً تفعل منذ هزيمة العرب عام ،1967 الأمر نفسه، مُستخدمة تارة عصا الحرب (مع العرب والإيرانيين) وتارة أخرى سلاح القوة المالية الهائلة التي تمتلكها الحركة اليهودية العالمية (مع تركيا حالياً) .
هذه الحقيقة، أي الجاهزية “الإسرائيلية” للقتال بهدف الحفاظ على الهيمنة، هي التي تضفي لحماً وعظماً على كل الأحاديث الراهنة حول احتمال اندلاع الحرب . أما الباقي فمجرد “تفاصيل” .
من ضمن هذه التفاصيل المبررات التي قد تنشب بموجبها الحرب، وهي تبدو عديدة للغاية:
شن غارات جوية كثيفة على لبنان بذريعة أن سوريا زوّدت حزب الله بنظام صواريخ “إس آي-2” المضاد للطائرات، الأمر الذي يشكّل خرقاً لاتفاقية “الخطوط الحمر” بين سوريا و”إسرائيل” عام 1976 . ونذكر هنا أنه حين أدخلت دمشق صواريخ من هذا النوع إلى لبنان عام ،1981 كاد يتسبب ذلك بحريق إقليمي كبير آنذاك .
عمل أمني بارز ضد مواقع “إسرائيلية” تتهم فيه “إسرائيل” حزب الله، بحجة أنه يريد الانتقام لاغتيال عماد مغنية .
تدهور خطير في علاقات الغرب مع إيران، ما قد يدفع “إسرائيل” إلى استكمال ما انقطع من عمليات عسكرية في حرب 2006 ضد حزب الله، بهدف حماية خاصرتها الشمالية خلال المجابهة مع طهران .
ثم هناك ما قد يكون أخطر بكثير، له علاقة هذه المرة باحتمال تغيّر النظرة “الإسرائيلية” إلى طبيعة موازين القوى مع دمشق، عبر انتقالها من مرحلة الجمود الاستراتيجي إلى مرحلة الانقلابات الاستراتيجية . . كيف؟
الخليج