هل قررت “سرائيل” تغيير قواعد اللعبة؟
سعد محيو
أخطر التهديدات المتبادلة بين سوريا و”إسرائيل” حول الحرب لم تأت لا من وزير الخارجية السوري وليد المعلم (القصف الصاروخي للمدن “الإسرائيلية”) ولا حتى من وزير الخارجية “الإسرائيلي” ليبرمان( إسقاط النظام السوري)، بل من إيهود باراك الذي أعلن أن غياب اتفاقية سلام بين سوريا و”إسرائيل”، قد يشعل حرباً جديدة في الشرق الأوسط .
لماذا هو الأخطر؟ للسبب الذي أشرنا إليه أمس في هذه الزاوية: احتمال تغيير تل أبيب استراتيجية كانت حتى الآن راسخة كالطود، تقوم على ترسيخ “الجمود الاستراتيجي” مع سوريا، بما يعنيه ذلك من تغيير شامل للأمر الواقع المستمر منذ نيف و30 عاماً في الجولان والمشرق العربي .
دوافع هذا التغيير تكمن أساساً في التحوّل الذي طرأ على طبيعة النزاع في الشرق الأوسط: من صراع بين العرب واليهود إلى صدام بين اليهود وإيران . وبما أن المسرح الرئيس لهذا الصراع يكمن في المشرق العربي، عبر تحالفات طهران التي تمر عبر دمشق مع كل من حزب الله وحماس، بات إخراج سوريا من هذا التحالف هدفاً استراتيجياً “إسرائيلياً” (وغربياً) من الطراز الأول .
كتب شلومو بن آمي، وزير الخارجية “الإسرائيلي” السابق، في أكتوبر/تشرين الأول 2007 أنه “ما لم تفصل سوريا نفسها عن تحالفاتها مع إيران وحزب الله وحماس سلماً، فإن الحل العسكري سيكون محتّما” .
وكتب مركز الابحاث “غلوبال ريسيرش”: “إخراج سوريا من “كتلة المقاومة” بات شرطاً لازباً لدى كل من واشنطن وتل أبيب وأطراف عربية وأوروبية أخرى، لأن ذلك لن يعني طرد إيران من المشرق العربي وحسب، بل أيضاً دمج هذه المنطقة في نظام العولمة المستند إلى “إجماع واشنطن” (الذي يتضمن شروط الانضمام إلى الاقتصاد العالمي) والاتحاد الأوسطي أو المتوسطي” .
لا بل يبدي العديد من المحللين الاستراتيجيين قناعة راسخة بأن الهدف النهائي لحرب 2006 في لبنان، كان في الواقع فك التحالف السوري- الإيراني ودمج دمشق في نظام إقليمي جديد .
كما هو واضح، ثمة مبررات قوية بالفعل لدى تل أبيب للعمل على تغيير المعادلات القديمة في المشرق العربي، خاصة مع سوريا . بالطبع، تفضّل تل أبيب أن يتم هذا التغيير سلماً، عبر رضوخ دمشق إلى إملاءات المعادلات الجديدة تحت ضغط التهديدات العسكرية- السياسية . وهذا ما كشف عنه صراحة الوزير ليبرمان الذي دفعه “فمه الكبير” إلى زلة اللسان المتعلقة بإسقاط النظام السوري في حال لم يتجاوب مع المطالب “الإسرائيلية” .
هل دمشق واعية لهذه المتغيرات الكبرى المُحتملة؟
الوزير المعلم أوحى بذلك حين قال إن “إسرائيل” تزرع بذور الحرب في المنطقة، وحين حذّر هذه الأخيرة من “عدم اختبارنا” .
جيد . لكن هذا لايكفي . فإذا ما كان صحيحاً أن تل أبيب تنوي تغيير قواعد اللعبة مع سوريا، لا مناص أمام هذه الأخيرة من القيام بدورها الخاص في التأقلم مع هذا التغيير، في حال قررت رفض الخروج من “كتلة المقاومة” والانضمام إلى كتلة النظام الإقليمي الجديد- القديم .
كيف؟ عبر طريق واحد: تحويل أي حرب “إسرائيلية” في لبنان إلى حرب إقليمية شاملة، لمنع تل أبيب من تحقيق أهدافها الإقليمية من هذه الحرب .
لكن، هل دمشق مستعدة لتحمّل مشقات هذا الطريق؟ نأمل ذلك .
الخليج
باراك وسوريا والحرب
سعد محيو
مرة أخرى، ينطق ايهود باراك بالأخطر من التصريحات في “إسرائيل” . ومرة أخرى، يجب التوقف ملياً أمام كل كلمة ينطق بها من يُطلق عليه “الجندي الأول” في الكيان بسبب حيازته على أكثر وأرفع الأوسمة العسكرية .
بالأمس أعلن باراك أن “غياب السلام مع سوريا، سيعني الحرب معها” . واليوم، وأمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية في القدس المحتلة، أوضح ما يعنيه ب”السلام” حين خاطب الرئيس بشار الأسد قائلاً: “إن على رئيس سوريا “بشار السادات” الجلوس إلى طاولة المفاوضات في أسرع وقت ممكن، وكلنا نعرف ما هو المطروح على الطاولة . التوقيت هو الآن” .
هذه بالطبع لم تكن زلة لسان، بل رسالة واضحة، وجلية، وقوية، صدرت عن سابق تصوّر وتصميم . وهي تضمنت في آن تحديد الشروط (سلام كامل على الطريقة الساداتية، أي الانسحاب من الصراع العربي “الإسرائيلي”) وتعيين التوقيت (الآن وفوراً) .
وهكذا تكون اللوحة المحتملة الجديدة للصراع في الشرق الأوسط قد بدأت تكتمل . وهي لوحة تستند على الأرجح إلى القواعد التالية:
إذا ماكانت الحرب على إيران في منطقة الخليج قراراً أمريكياً بالكامل، فإن الحرب في المشرق العربي يمكن أن تكون قراراً “إسرائيلياً” بالكامل .
بيضة الميزان في حرب المشرق لم تعد لا حزب الله ولا حركة حماس، بل سوريا، بعد أن أثبتت حرب 2006 في لبنان وحرب 2008 في غزة أنه لا يمكن اجتثاث النفوذ الإيراني في منطقة الهلال الخصيب، من دون قطع الروابط السورية الإيرانية .
إن الوقت قد حان على ما يبدو بالنسبة إلى تل أبيب لوضع دمشق أمام “الخيار الأخير”: إما الانضمام الكامل إلى المحور “الإسرائيلي” الأمريكي العربي “المعتدل” ضد إيران، أو الانحياز الكامل إلى إيران .
الخيار الأول يمكن أن يتحقق سلماً، إذا ما قَبِلَ الرئيس الأسد أن يكون “بشار السادات” . أما الخيار الثاني فسيقود مباشرة إلى الهدف الذي تحدث عنه وزير الخارجية “الإسرائيلي” ليبرمان: “إسقاط نظام الأسد” عبر حرب إقليمية شاملة الآن، إذا ما كان هذا التقدير صحيحاً (وهو كذلك في الغالب)، لن يكون من الصعب التكهن بجغرافية الحرب التي تحدث عنها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وأكدها السيد حسن نصر الله: إنها لن تبدأ من إيران لتتمدد إلى المشرق العربي، بل ستنطلق من المشرق لتمدد إلى إيران .
الفارق هنا ليس بسيطاً كما قد يتبادر إلى الأذهان . إذ إن الحرب مع إيران قد لا تستغرق سوى أيام قليلة (غارات جوية “إسرائيلية” يليها رد صاروخي إيراني)، في حين أن الحرب في المشرق قد تطول لأشهر عدة، خاصة إذا ما كانت تستهدف تغيير معادلة “الجمود الاستراتيجي” بين سوريا و”إسرائيل” (كما افترضنا بالأمس في هذه الزاوية) .
لقد كان نصر الله مُحقاً حين قال إن “إسرائيل” تعيش هذه الأيام “حالة من الأزمة على المستوى الاستراتيجي” . لكنه قد لايكون محقاً في استنتاجه بأن هذا سيعني أنها ليست قادرة على شن الحرب، خاصة إذا ما كانت حرباً تؤدي إلى تغيير كل الموازين الإقليمية في الشرق الأوسط (المشرق العربي زائد إيران الخليجية)، عبر البوابة الدمشقية .
أجل . تصريحات باراك لا تزال الأخطر في “إسرائيل”، ويجب التمعّن بها ملياً، لأنها تحمل قسمات شارونية واضحة وكثيفة .
الخليج