سوريا النووية والوكالة الدولية لـ الطاقة
سركيس نعوم
في ايلول 2007 دمرت طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الاسرائيلي ما اعتبره الذين اتخذوا قرار التدمير مفاعلاً نووياً قيد الانشاء في دير الزور السورية. لم ترد سوريا على هذا الاعتداء، ولم تعمل اسرائيل من محاولة سوريا الحصول على تكنولوجيا نووية قضية كما يقال. اذ اكتفت بالتدمير الذي اعتبرته رسالة الى القيادة في دمشق تنطوي على تحذير من الاندفاع في مشروع من هذا النوع. ذلك ان من شأنه اعادة نظر المسؤولين الاسرائيليين في سياستهم السورية وكذلك قادة المجتمع الدولي وفي مقدمهم اميركا.
اثارت العملية العسكرية المذكورة تساؤلات كثيرة في الاوساط العربية والاسلامية الرسمية والسياسية والشعبية وحتى في اوساط دولية معينة. اولاً، عن صحة ما اعتبرته سوريا “ادعاءات” اسرائيلية بسعيها الى تحقيق انجاز نووي في الخفاء اذا جاز التعبير على هذا النحو. وثانياً، عن الهدف الذي ترمي سوريا الى تحقيقه بواسطة هذا الانجاز في حال صحة السعي الى تحقيقه وتالياً عن اثر ذلك على الوضع الاقليمي المتوتر اساساً وتحديداً على الوضع السوري الذي نجحت دمشق في المحافظة على هدوئه رغم وجودها في محيط يغلي كالبركان وتنفجر فيه كل يوم مشكلة او ازمة لا حلول سهلة لها او سريعة. وثالثاً، عما اذا كان لـ”الانجاز النووي السوري” علاقة بالتحالف الذي اصبح مزمنا بين دمشق وطهران وتالياً بالاستراتيجيا التي تسعى الثانية الى تنفيذها في منطقة الشرق الاوسط والتي يقابلها معظم العالم العربي كما غالبية العالم الاوسع بالخوف والعداء. اما رد فعل اميركا على الضربة العسكرية نفسها وعلى موضوع هذه الضربة فلم يكن “ضخما” ربما لأنها مثل اسرائيل كانت واثقة بأن سوريا النووية الخطرة والمخيفة لا تزال في بداية البدايات وكانت لا تزال متأملة في امكان التوصل الى تفاهم معها او على الاقل في امكان ابقاء موقفها العملي من اسرائيل وخصوصاً على حدودها معها على هدوئه المعروف منذ عقود وفي الوقت نفسه في امكان استمرارها سداً امام وصول الاسلاميين الاصوليين “الارهابيين” كما تصفهم الى الحكم في دمشق. وهم الاخطر على اسرائيل في نظرها ونظر اميركا وجهات عربية ودولية عدة.
الا ان تعمّد الهدوء الى درجة التستر على ما يسمى في كواليس الادارة الاميركية الملف النووي السوري للاسباب المشار اليها اعلاه لم يعنِ ابداً ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تقم بواجبها اي محاولة التحقق من “نووية” سوريا غير المعلنة التي ضربتها اسرائيل ومتابعة مراقبة “نوويتها” المعلنة والمصرّح عنها رسمياً. ففي الثاني من حزيران 2009 ابلغ المدير العام للوكالة مجلسها او مجلس مديريها ان الوكالة تلقت معلومات تفيد ان ما دمرته اسرائيل في دير الزور كان مفاعلاً نووياً قيد الانشاء وان كوريا الشمالية كانت تساعد في بنائه. وبعد ذلك زارت “الوكالة” دمشق والتقت مسؤولين سوريين للبحث في هذا الموضوع كما اوفدت من يطّلع على الموقع الذي دمّر. فضلاً عن ان مراسلات عدة جرت بين الفريقين لم تكن ناجحة بالمقدار الذي ارادته الوكالة الدولية لأن سوريا دمرت ما تبقى من الموقع المدمر اسرائيلياً ولم تعط اجوبة دقيقة وشافية عن سبب وجود آثار اورانيوم فيه معتبرة انه جزء من الصواريخ التي استُعملت في تدميره. ولا تزال الاتصالات والمشاورات بين سوريا والوكالة الدولية للطاقة الذرية مستمرة. لكن نتيجة نهائية للتحقيق في الموقع المدمر (ماهية اهدافه) وفي نووية سوريا الرسمية لم يتم التوصل اليها بعد. وقد لخص متابعون اميركيون بل متخصصون في هذا الموضوع الاتصالات المذكورة بالآتي:
1- تعاونت سوريا مع الوكالة الدولية اثناء تحقق الاخيرة من نشاطات المفاعل النووي الصغير الذي لديها العامل على النيوترون.
2- لم تؤمّن سوريا للوكالة الدولية التعاون الضروري الذي يمكّنها من تحديد مصدر آثار الاورانيوم الذي اكتشفته في موقع دير الزور المدمر. ولم تتعاون معها لتثبيت تصريحاتها (اي سوريا) عن الطبيعة غير النووية لهذا الموقع.
3- اكدت سوريا انها، وانسجاماً مع الاتفاق الموقّع مع الوكالة حول سلامة المنشآت النووية، ليست مجبرة على توفير معلومات لها سواء عن موقع دير الزور او اي مواقع اخرى بسبب طبيعتها العسكرية التي لا علاقة لها بأي شيء نووي على الاطلاق. طبعاً ابلغت الوكالة الى سوريا ان الاتفاق المذكور لا يتضمن تقييداً للوصول الى المعلومات ولمعرفة النشاطات ولزيارة المواقع فقط لأنها عسكرية فضلاً عن انها وجدت جزئيات من مواد نووية لم تدرجها سوريا على لائحة الموجودات النووية المقدمة اليها.
4- حضت الوكالة ولا تزال تحض سوريا على التعاون معها في نشاطها التحققي تنفيذاً للاتفاق الموقّع بينهما. والوكالة قادرة بالتعاون مع سوريا على جعل التفتيش والتحقق غير مؤذ للامكانات العسكرية السورية عندما يشمل مراكز ذات طبيعة عسكرية. وحضت ولا تزال تحض ايضاً دولاً اخرى من بينها اسرائيل، اذا كانت تمتلك معلومات تساعد عمليات التحقق التي تقوم بها، على تقديم هذه المعلومات اليها وخصوصاً ما يتعلق منها بموقع دير الزور المدمر.
لماذا التطرّق الى سوريا النووية اليوم؟ ليس لـ”الحركشة” فيها كما قد يتبادر الى الاذهان. ولكن للفت الجميع في المنطقة وبعدما صار خطر الانتشار النووي فيها كبيراً نظراً إلى عجز المجتمع الدولي عن حل مشكلة الملف النووي لايران والى عجزه بل رفضه ايجاد حل لنووية اسرائيل التي كانت السبب الاول لدفع الآخرين الى امتلاك تكنولوجيا نووية وسلاح نووي وللفت الجميع الى ان الموضوع النووي قد يطغى على المنطقة ودولها وقادتها في الاشهر المقبلة وخصوصاً اذا استمر العجز المشار اليه اعلاه. ذلك ان السكوت على نووية ايران بل على وصولها الى نهاياتها سيدفع دولاً اخرى عربية واسلامية الى سلوك الطريق النووية نفسها. ويستوي في ذلك عرب اميركا وعرب ايران.
النهار