بين الحرب والسلام أي خيار لسوريا والسوريين؟
منذ أسابيع عادت طبول الحرب تقرع عاليا في منطقتنا، وأخذت وسائل الإعلام المحلية والدولية تتناقل يوميا تزايد التوترات فيها. شمل ذلك قيام اسرائيل بمناورات عسكرية على الحدود مع سورية ولبنان، كان من الطبيعي أن ترد عليها سوريا باستنفار عسكري واستدعاء لقوى الاحتياط، وما رافقه من رفع مستوى التهيؤ لدى حزب الله.
توّج ذلك التوتر صدور التهديدات الاسرائيلية بشن الحرب على سوريا ولبنان، بذريعة متكررة عن دعم القدرات العسكرية لحزب الله، ومّده بمنظومات الصواريخ المتطورة . وكان أعنف تلك التصريحات ما صدر عن الوزير الاسرائيلي المتغطرس ليبرمان، والذي تضمن رد السلطات السورية عليها التهديد بتحويلها حربا شاملة. وبينما اكتفى الأمين العام لحزب الله بالرد على طريقة العين بالعين والسن بالسن ندا لند، شارك الرئيس الإيراني في قرع الطبول على وعد بإبادة اسرائيل إلى الأبد هذه المرة!
وكالمعتاد، سعى مسؤولون غربيون واسرائيليون إلى تهدئة تلك التوترات، فحاولوا متابعة حديث مفاوضات السلام. واندرجت في إطار ذلك زيارات مسؤولين أوروبيين وأمريكيين إلى دمشق، كان أهمها زيارة “بيرنز” وكيل وزارة الخارجية وما رافقها من عودة معلنة للتنسيق الأمني معها، وقرار تعيين السفير الأميركي الجديد فيها.
وإذا كانت دواعي التبجح، التي هي عدة شغل طبيعية لهذا المجال، واردة في كثير من التصريحات الحربية المذكورة على الجانبين، خصوصا في شحن الخطاب التعبوي المعتاد للقيادة الإيرانية، سواء في أزمتها النووية مع الغرب، أو في أزمتها الداخلية مع التيار الإصلاحي، فمن الراجح أنه لا يمكن الركون إلى أوهام التهدئة مع العدو، ويلفت النظر بهذا الصدد تعليق للناطق باسم البيت الأبيض، قال فيه أن لاخيارات مستبعدة !
هذا الأمر أكدته أساسا التجربة الطويلة لشعوبنا مع العدو الاسرائيلي، وهي تجربة مريرة كما نعلم جميعا، عانت فيها بلادنا الكثيرمن الدمار وهدر الطاقات ونزف الدماء، وكانت الحروب هي الحقيقة الوحيدة في النهاية بخلاف فترات السلام الهش.
وقد شهدنا بالأمس القريب لاتراجع العدو عن خديعة وديعة (رابين) فقط، بل عن خديعة المفاوضات غير المباشرة عبر العديد من الوسطاء وآخرهم أو أكثرهم علنية (تركيا ). كما نشهد حاليا إقلاع أكبر عملياته الاستراتيجية الاستيطانية لأراضينا المحتلة (مشروع سي هغولان: قمة الجولان) والذي سيتم عبره محو آخر آثار الوجود السوري هناك، مما يقطع من جديد مع أي زعم بإدراج أرض الجولان على جدول أعمال أي مفاوض اسرائيلي مفترض، بل يؤكد أن مطالبة ليبرلمان بنسيانه لم تكن زلة أو خروجا عن النسق.
وهذا لايعني ضرورة تخلي خطابنا عن ورقة السلام أو ما اصطلح على تسميته بخيار السلام الاستراتيجي، لكنه يعني ضرورة عدم التخلي عن باقي الأوراق كما حدث بعد حرب 1973، فمن يطلب السلام العادل عليه أن يستعد للحرب، لأن السلام ومفاوضاته ليسا لعبة كلمات وشطارة ديبلوماسيات فقط بل هو لعبة موازين قوى وأوراق ضغط في النهاية، أو هو ممارسة للحرب لكن بوسائل أخرى بالاستفادة من القاعدة الشهيرة للاستراتيجي (كلاوزفيتز).
هنا، تصبح الأسئلة مشروعة حول شروط استعداد سوريا للحرب ومعادلها. وإذا كانت الأسئلة العسكرية في هذا الجانب مغلقة وخاضعة لرقابة مفهومة، خصوصا منها المتعلقة بتحديث سلاح الجيش السوري وكفاءة تدريبه، فإن أسئلة أخرى كثيرة يجب أن تكون مفتوحة، و منها ما يتعلق بالروح المعنوية للمواطنين العسكريين والمدنيين الذين عليهم أن يقاتلوا ويصمدوا كل في مكانه وبدوره! لكن ما يحيط بهم من فساد معلن وضائقة معيشية وتمييز مقونن، يوشك أن يغلق عليهم حلقة القيود، ومن المعروف أن الأحرار وحدهم هم الذين يقاتلون دفاعا عن حريتهم.
في هذا الصدد، فإن قيام السلطة السورية، وبعد طول تأخر وإهمال، بدعم المواطنين العائدين للإقامة في الجولان (عندما أصدرت قبل أيام مرسوم اعتبارهم على رأس عملهم) وبالعفو مؤخرا عن الداعية عبد الرحمن الكوكي (رغم الحكم عليه واتهامه بمثل ما اتهم به عشرات معتقلي الرأي وأولهم قادة إعلان دمشق!) لا يعبّرعن تغيير جدي في علاقة السلطة مع مواطنيها بالمقارنة مع استمرارالفساد وانتهاكات الحقوق!
وكما أن زهرة واحدة لاتصنع ربيعا، لكنها يمكن أن تبشر به، فليبدأ ذلك بإطلاق سراح معتقلي الرأي، ثم إطلاق الحريات الأساسية، كي يشارك جميع أبناء سوريا بدون أي تمييز وبحرية في تقرير وصنع مستقبل بلدهم إن سلما وإن حربا، وهو ما تشتد الحاجة إليه اليوم.
20-2-2010
موقع اعلان دمشق