مراجعة أم تقرير؟ رد على الكاتب محمد سيد رصاص.
غسان المفلح
قرأت مقالا للكاتب السوري محمد سيد رصاص، في الحوار المتمدن بعنوان”هل ستتكرر سابقة المراجعة الجنبلاطية في المعارضة السورية ؟ المقال فيه معلومات، عن المناضل رياض الترك وأعضاء المجلس الوطني الأخير لإعلان دمشق، هذه المعلومات، لن تكون مثار تقاش، لأنني لاأملك معلومات الرد عليها.
ثم أن هنالك قضية يجب ان نقولها كبداية، لي ملاحظات على الممارسة السياسية لحزب الشعب، وعلى المناضل رياض الترك، ولكنها في سياقات مختلفة تماما، وليست تطاولا على هذه القامة النضالية أبدا، بل من باب الحرص على هذه القامة وعلى أن تكون جامعا لكل المعارضة السورية، دون موقع حزبي ضيق، كغيرها من القامات التي أنتجتها التجربة النضالية للمعارضة السورية.
يطلب الكاتب والمناضل سيد رصاص، من المعارضة السورية الاقتداء، بالسيد وليد جنبلاط، والقيام بمراجعة نقدية، لمجمل مواقفها السابقة، أولا منذ زمن لم أقرأ للسيد رصاص شيئا يخص سورية، إلا فيما يتعلق، بهجومه على المعارضة السورية، وعلى ما يسميه الليبرالية، داخل هذه المعارضة. حيث يشبهها بالكائنات” المتحولة” ودون أن يرف له جفن، والمتحولة هنا، تأخذ صفة سلبية مطلقة. هذه قضية سنتجاوزها أيضا، لأنها تدخل في إطار التناول الشخصي، للبشر وليس لأفكارهم، لأنها تدخل في خانة، التحول من أجل أهداف رخيصة، وليست قراءة للواقع تسبب هذا التحول، بمعزل عن صحة أو عدم صحة هذه القراءة، وهذه قضية لا تخطأ فيها، فقط المعارضة السورية، بل تخطأ فيها دولا بوزن الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الواقع دوما يكون أغنى وأقوى. لا أعتقد أن هنالك أحد ما يريد أن يقرأ الواقع بطريقة فاشلة. أخطأت المعارضة السورية، لأنها كانت مترددة، وترددها نابع من عدة عوامل، ومنها خوف بعض رموزها، من مزايدات خطابات نجد تعبيرها المباشر والأنقى في مقالة السيد رصاص هذه! الإدارة الأمريكية، أخطأت في العراق، ولازالت الإدارة الحالية تحاول معالجة هذه الأخطاء، ولكن أيضا بطريقة خاطئة! وكنت كتبت كغيري عن هذه المواضيع كثيرا، ولكن إن كانت قراءتنا السياسية والتي لازلنا نعتمد فيها، على مقدراتنا الماركسية وغير الماركسية في الاستنتاج والتحليل والاستنباط، ليس لدينا لا مراكز بحوث ولا مؤسسات علمية، تتناول الوضع السوري في المنطقة وفي العالم. المعارضة حاولت وتحاول، لديها أخطاء يمكن أن تكون قاتلة في لحظة ما، ولكن الرهان على التغيير الديمقراطي، ليس رهان من يمتلك القوة، بل هو رهان الأمل، وعندما شارفت على امتلاك شيء من القوة، بعثرته في الجهود من أجل الرد على تيار حزب الله وحماس وقطر الجزيرة، والممانعة الإسرائيلية، والقوة الإيرانية. وحساسيات الإسلاميين والقوميين، والماركسيين. وكل منهم لم يحسم حتى اللحظة أن الديمقراطية ليست على مقاس أحد، لا يساري ولا يميني، لا برجوازي ولا بروليتاري..الديمقراطية، هي لكل من له مصلحة فيها، بمعزل عن غطاءه الأيديولوجي، الذي ستحميه الديمقراطية وتحمي نضاله العلني من اجل، أن يحقق نماذجه في التقدم السوري. ولست ممن يمارسون الضحك على الذقون” الديمقراطية هي أيضا لمن يملكون القوة الاقتصادية والسياسية، ويتفقون على التعايش ديمقراطيا” وهذا ما تستفيد منه طبقات الشعب، والأحزاب السياسية جميعها بمعزل عن هوياتها الضيقة. هذه نقطة لازالت المعارضة السورية” تتبتل، وتدعي العذرية حيالها”
انتقل الآن إلى نقطة أخرى، يتحدث الكاتب عن أن سبب ما حدث هو تراجع المشروع الأمريكي، هكذا بخبطة معلم، يقر بواقعة، لا احد يلمس منها شيئا، سوى حالة من حالات التعثر، يعتقد السذج أمثالنا، ان سبب تغير المناخ في المنطقة هوتراجع هذا المشروع! لهذا تدخل ساركوزي من أجل إنقاذ المشروع الأمريكي سوريا، أية قراءة ساذجة هذه، تدخل ساركوزي من أجل إعادة الوصاية السورية إلى لبنان، والسؤال منذ متى كانت فرنسا جزء من المشروع الأمريكي؟ تدخل ساركوزي ورفع الحصار عن النظام في دمشق، لأن المشروع الأمريكي أصابه الفشل والتراجع؟ أعتقد اننا بحاجة إلى أن نراجع المنطق الذي يحاول الكاتب، إقناعنا به، لأن تدخل فرنسا ساركوزي القوي في لبنان وسورية، ليس له علاقة بتعثر أو عدم تعثر المشروع الأمريكي، وهذه قراءة تحجب أخطر ما حدث في المنطقة” تلاقي مصالح فرنسي تركي إيراني إسرائيلي قطري من أجل العمل لرفع الحصار عن النظام في دمشق. فلا المقاومة هي من رفعت هذا الحصار، ولا شطارة السياسة السورية الخارجية، ولا فشل المشروع الأمريكي. وهذا كثف تدخلا قويا ومرعبا حتى لدى مؤسسات صنع القرار في أمريكا وبقية الدول الغربية، إذا أضفنا موقف روسيا والصين من النظام في دمشق. المعارضة السورية كانت ولازالت تواجه كل هؤلاء، والنغمة الأكثر وضوحا في كل هذا اللغط” إسرائيل لا تريد أبدا خنق النظام، ولا تريد دولة طبيعية في سورية، وإيران كذلك، ودخلت تركيا الإسلامية على الخط. فهل يريد السيد رصاص: أن نقدم اعتذارا لهؤلاء جميعا؟ لأن جنبلاط يعرف تماما ما الذي حدث ولهذا عكف..أو دور الزاوية!! وبالمناسبة” ما الذي يجعل أفيغدور ليبرمان، بعد تهديده العنصري والناري لسورية، أن يتهم حزب الله باغتيال رفيق الحريري؟
القوة بشكل خاص الذي امتلكها الطرف الاخر عبر ما وضحناه، وإن أخطات المعارضة، هي من هزمت المعارضة، وليس أخطاء في موقفها، وإن كانت الأخطاء قد زادت من قوة النظام وحلفاءه! ولكن من يكون معه إيران وفرنسا وأموال قطر..ولوبيات إسرائيل..سيهزم معارضة، لم تستقر على خطاب ديمقراطي واضح بعد. فهل قوة إسرائيل تقتضي على الفلسطينيين الاعتذار لها؟
تعثر المشروع الأمريكي، كما نفهمه نحن، وليس كما ينظر له الكاتب في العديد من كتاباته، المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، هو اللامشروع الكوني…للرأسمالية المعاصرة بكل قواها المتطاحنة سلميا أو عبر وسائط، أو المتوافقة مصلحيا، الفارق بين المواقف البريطانية وبين المواقف الألمانية والفرنسية من السياسة الأمريكية في المنطقة، أين تقف هذه القوى من المشروع الأمريكي وما هو تأثيرها؟ كل هذه الأسئلة بحاجة إلى أجوبة كي نعرف ما الذي يدور؟ أما جنبلاط بيك” كان الله في عونه” ولهذا قلت له في مقال خاص منذ أقل من عام” مرحبا بك في دمشق! جنبلاط ليس حزبا سوريا معارضا، جنبلاط ممثلا لجانب دولتي في لبنان، وممثلا لمؤسسات سواء كانت طائفية أم وطنية، يتراجع ويتقدم حسب موازين القوى، ولكن المعارضة الديمقراطية السورية، عماذا يريدها الكاتب أن تتراجع، ولمن يريدها أن تقدم اعتذارها، للقمع أم للفساد أم للتيار القومي الماركسي؟!
نعم وسنبقى نحتاج المجتمع الدولي من أجل الديمقراطية في سورية.
ملاحظة” كل النظم العربية بما فيها النظم المعتدلة كما تسمى، وغالبية التيارات القومية والماركسية والإسلامية هاجمت سياسة جورج بوش وتيار المحافظين الجدد لماذا؟
ما هي المراجعة المراد للمعارضة أن تقوم بها؟ في الواقع قرأت المقالة عدة مرات، لم اجد فيها جوابا إلا أن نوجه تحية لحزب الله عبر جريدة الأخبار اللبنانية، ونوجه وثيقة نقول فيها” نعم للفساد” ومع ذلك أؤكد لصديقنا أنني ومعي كثيرين من المعارضين الذين يهاجمهم، إذا تقدمت السلطة في دمشق خطوة واحدة نحو الدمقرطة..نتقدم خطوات تجاهها” وهذه مسلمة وبداهة بالنسبة لي.
نقطة أخيرة، هي موضوعة الاستقواء بالخارج، التي يحاول الكاتب دوما وفي كل مقالاته، أن يسطر لنا أسطرا، مغطاة من كل الأيديولوجيا العربية الرسمية، المقاوم منها والمعتدل، أنه يعتبر الاستقواء في الخارج خيانة، وعلى المعارضة أن تعتذر عن هذا الاستقواء، غالبية المعارضة السورية لم تستقوي بالخارج، لأن خطاب القمع وما يمثله هنا، في مقال السيد رصاص، قد جعل المعارضة السورية هذه تقضي ردحا طويلا من نشاطها من أجل رفع هذه التهمة عنها، وهذا خطأ من أخطاء المعارضة، أن كثر من رموزها ناوروا على هذه النقطة، على طريقة رجل بالبور ورجل بالفلاحة، كان يمكن أن تحسم الأمور بأقل مزايدات وأقل مناقصات!! النظام لم يكن ولن يكون وحده من أجل استمرار سلطته، فهو يستخدم حلفاءه وأصدقاءه وكتابه، ومؤسسات الدولة السورية، وكل الدول التي من شانها أن تدعم استمرار استيلاء الفساد المقاوم على المجال العام السوري، ولهذا حتى اللحظة لم ينبس ساركوزي ببنت شفة عن اعتقالات سورية، بينما تحول بين ليلة وضخاها إلى مدافع عن الشباب الإيراني! أليس هذا استقواء على المعارضة ومعتقليها؟ وعندما يحاول ساركوزي ومعه اللوبيات الإسرائيلية في كثير من دول الغرب تلميع صورة النظام، أليست استقواء للفساد المقاوم على الشعب السوري ومعارضته؟ هل الخارج هو سبب الفساد في سورية، هل الخارج هو سبب الفقر،هل الخارج هو سبب القمع؟ المعارضة كل ما حاولت فعله هو أن تحصل على دعم من أجل قضية الديمقراطية في سورية، ودون أن تقدم أي تنازل للغرب عن خطابها الخشبي الذي يجمعها مع خطاب النظام. يستطيع المرء أن يقوم بجردة حساب للهجوم الذي كان يتعرض له جورج بوش في كل سياساته، من قبل قوى إعلان دمشق وجبهة الخلاص..الخ هذا مطب وقعت فيه المعارضة ودفعت ثمنه هي والشعب السوري!
لماذا رحبت كل القوى العربية تقريبا المقاومة والرسمية المعتدلة، السعودية وآلتها الإعلامية رحبت، النظام في دمشق رحب..الخ بانتخاب السيد باراك أوباما؟ بالضبط لأنه جاء على أجندة لا وجود فيها لقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلدان الشرق الأوسط، أما الترحيب لأسباب أخرى..فهي مجرد تغطية للسبب الحقيقي الذي جعلهم يرحبون بانتصاره.
غسان المفلح- بروكسل