إسرائيل.. هل تحصل على « وديعة الأسد»؟
توفيق المديني
لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتحدث أجهزة الإعلام العربية والدولية عن المفاوضات الإسرائيلية- السورية غير المباشرة، التي بدأت الأسبوع الماضي برعاية تركية في اسطنبول، ولاسيما أن السلام يعتبر خياراً استراتيجياً لسورية، ويقع في صلب سياسة الدولة وأهدافها العامة.
ويجمع المحللون المعنيون بالمسألة في الغرب أن سورية التي تواجه تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، تعلق آمالا كبيرة على معاودة المفاوضات مع الدولة العبرية من أجل استعادة الجولان المحتل، على أساس أن ذلك يحقق لها انتصارا، داخليا وخارجيا، يساعدها على الخروج من عزلتها الدولية، وسيؤدي أيضا الى تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية والمجتمع الدولي عموما. هذا فيما يتعلق بالجانب السوري، أما الجانب الإسرائيلي، فإن إقدام حكومة أولمرت على معاودة المفاوضات مع سورية لا يخلو من طرح شروطها، إذ إن الجديد في «المفاوضات غير المباشرة» أن الجانب الإسرائيلي، أو بعض المسؤولين الإسرائيليين، يربطون الانسحاب من الجولان بقضايا استراتيجية تتعلق بتحالفات سورية. فلم يعد المطروح حالياً وآنياً مواضيع المياه والأمن والسلم، بل علاقات سورية بـ«حماس» و«حزب الله» وإيران.
لقد قررت إسرائيل استغلال وضع سورية الصعب، والعمل -بالتفاهم مع إدارة الرئيس جورج بوش التي تعيش أشهرها الأخيرة- على إنهاء الدور الإقليمي واللبناني لسورية وتقليص نفوذها الى أدنى حد من خلال مطالبة القيادة السورية بتنفيذ مجموعة شروط قاسية كثمن مسبق تدفعه لبدء مفاوضات سلام رسمية بين البلدين، ذلك أن الأمور الجوهرية التي تركز عليها حكومة إيهود أولمرت على جبهة المفاوضات السورية– الإسرائيلية غير المباشرة، هي الآتية :
أولا: تريد الحكومة الإسرائيلية انتزاع أقصى تنازلات ممكنة من سورية، وهي لذلك تتمسك بأن تستطلع عبر الوسيط التركي حقيقة استعدادات سورية السلمية حيالها، وما اذا كانت القيادة السورية مستعدة فعلا لأن تدفع مسبقا ثمن السلام الباهظ مع الدولة العبرية، وهذا ما يجعل ظروف التفاوض حاليا بين سورية واسرائيل أكثر صعوبة وتعقيدا مما كانت في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. وعلى هذا الأساس تريد حكومة إيهود أولمرت، وقبل بدء أي مفاوضات رسمية ومباشرة بين إسرائيل وسورية، الحصول على ما يمكن تسميته «وديعة الأسد»، أي أنها تريد من الرئيس السوري أن يقدم لإسرائيل، عبر تركيا، مجموعة التزامات رسمية محددة تؤكد تصميمه على فك تحالفه مع إيران الساعية إلى امتلاك السلاح النووي والمطالبة، بصوت رئيسها، بإزالة الدولة العبرية من الوجود، وتصميمه كذلك على وقف كل أنواع المساعدات والدعم الى «حزب الله» و«حماس» وسائر التنظيمات والقوى الفلسطينية المتشددة، على أن يتم التأكد من ذلك عبر مراقبة دولية مشددة للحدود اللبنانية– السورية، وإغلاق جميع مكاتب «حماس» والتنظيمات الفلسطينية المتشددة الأخرى ومراكزها في الأراضي السورية، ولم يسبق أن طلبت الحكومات الإسرائيلية السابقة الحصول من حافظ الأسد على التزامات كهذه كشرط مسبق للتفاوض معه.
وتريد إسرائيل من خلال «العصارة الاستراتيجية» في التعاطي مع «حزب الله» «وجوب تقليص التهديد الذي يشكله على أمن إسرائيل والاستقرار في المنطقة من خلال إضعاف قوته وتحويله إلى لاعب هامشي ليس ذا شأن في المعادلات الإقليمية»، وذلك عبر ضرب العلاقة بين ايران والحزب، بوصفه الشرط الأهم في معادلة المساس بقوة الحزب العسكرية وموارده وطريقه الأيديولوجية، وتغيير سورية سياستها تجاه الحزب، الذي قد يتم بفعل اتفاق سلام مع إسرائيل، وكجزء من رزمة ترتيبات إقليمية، وتشديد الضغوط الدولية على سورية، لإحداث شرخ، أو أزمة في العلاقات بين دمشق وطهران.
ثانياً، من دون شك، يرفض المسؤولون السوريون أن يقدموا للحكومة الإسرائيلية أي التزامات، أو تعهدات رسمية مسبقة بفك التحالف مع إيران، ووقف الدعم لـ«حزب الله» و«حماس» والتنظيمات الفلسطينية الأخرى المرتبطة بدمشق كثمن لبدء مفاوضات السلام. وفي هذا السياق ، نقلت وكالة «رويترز» عن الرئيس بشار الأسد قوله، خلال لقائه وفداً برلمانياً بريطانياً أول من أمس، أن لسورية «علاقات طبيعية مع إيران». وقال مصدر حضر اللقاء إن «الاعتقاد بأن سورية ستتخلى عن هذه العلاقات هو طلب غير عقلاني». ونسب المصدر الى الأسد أن طرح تساؤلات إسرائيلية عن علاقات دمشق وطهران يعني أن سورية يمكن أن تطرح تساؤلات عن علاقاتها مع دول أخرى، خصوصا العلاقة مع أميركا.
إضافة إلى ذلك، فقد شدد المسؤولون السوريون على أن سورية تريد أن تكون استعادة الجولان بالكامل وتأمين الانسحاب الاسرائيلي منه الى حدود 4 حزيران 1967 أساسا لأي عملية تفاوض جديدة. وهذا المطلب يشمل تثبيت الوجود السوري على الضفة الشرقية لبحيرة طبريا، ما يمنح السوريين حق المشاطأة، ويجعلهم بالتالي يطالبون بتقاسم مياه هذه البحيرة مع الإسرائيليين. كما أن الرئيس الأسد يريد استعادة الجولان بالكامل خلال فترة زمنية قصيرة بعد توقيع معاهدة السلام، ويرفض كليا ترك هذه الأرض السورية في أيدي الإسرائيليين سنوات طويلة بعد توقيع المعاهدة، وهذه كلها مطالب ترفضها إسرائيل.
وفيما يطالب السوريون الالتزام بوديعة رابين، اي التعهد الرسمي الذي قدمه رئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل الى الرئيس حافظ الأسد العام 1995 عبر الإدارة الأميركية وأكد فيه، خطيا، استعداده «للانسحاب الكامل من الجولان في مقابل السلام الكامل بين سورية وإسرائيل»، فإن حكومة أولمرت –وأي حكومة إسرائيلية أخرى تخلفها– ترفض الانسحاب الكامل من الجولان إلى حدود 4 حزيران 1967، بل انها تريد الاحتفاظ، في أقل تقدير، بالسيطرة الكاملة على بحيرة طبريا وعلى ضفتها الشرقية التي طالب بها الرئيس الأسد بإلحاح، لأن هذه البحيرة تؤمن للإسرائيليين أكثر من 40 في المئة من حاجتهم من المياه. إضافة الى ذلك تريد حكومة أولمرت جديا تأجيل إعادة ما تبقى من الجولان الى سورية سنوات طويلة قد تمتد بين 20 و25 سنة بعد توقيع اتفاق السلام بين البلدين، وذلك للتأكد فعليا من استعدادات سورية السلمية، ومن عدم تراجعها عن التزاماتها المحددة في اتفاق السلام. ولم يضع الإسرائيليون مثل هذا الشرط على حافظ الأسد خلال مفاوضاتهم مع ممثليه.
في عقد التسعينيات من القرن الماضي كانت عناصر التفاوض بين إسرائيل وسورية تربط «عمق الانسحاب بعمق السلام» ثم «عمق الانسحاب بعمق الأمن» و«عمق الانسحاب بعمق المشاركة المائية». أي عناصر طاولة السلام كانت ترتبط بشؤون سورية- إسرائيلية: الانسحاب، الأمن، علاقات السلم أو التطبيع، المياه. أما الآن فإن الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الجولان أصبح أكثر صعوبة وتعقيدا بكثير عما كان في عهد حافظ الأسد، بسبب الأوضاع الإقليمية الصعبة، وطرح إسرائيل فك التحالف بين سورية و إيران، بينما يرفض الجانب السوري أن يكون ثمن السلام التخلي عن الحلفاء.
أخيرا، إن إدارة بوش ترفض كليا رعاية أي عملية تفاوض سورية– إسرائيلية محتملة، أو القيام بأي دور للتوفيق بين مواقف الطرفين. وهذه مشكلة أساسية تواجه سورية إذ إن كل جولات التفاوض السورية– الاسرائيلية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد جرت بتشجيع من واشنطن، وفي ظل الرعاية الأميركية الكاملة لها، ولولا ذلك لما كانت هذه المفاوضات انطلقت أصلا، أو حققت أي تقدم.
ووفقا للأوساط الغربية تريد سورية السلام مع أميركا قبل السلام مع إسرائيل، وهي تعتبر أن التفاوض مع الإسرائيليين من أجل دفع الأميركيين الى المشاركة في هذه المفاوضات على أساس أن ذلك سيؤدي إلى تحسين العلاقات الأميركية– السورية.
كاتب من تونس