صفحات العالمما يحدث في لبنانميشيل كيلو

لبنان: هل هي قصة صواريخ؟

ميشيل كيلو
كلما ذكر حزب الله، قال المتحدثون: إن لدى حزب الله كذا ألف صاروخ، لذلك لن يتجرأ العدو على مهاجمة لبنان أو الحزب.
وعندما تذكر الدول العربية، لا يقول أحد إن لديها كذا مليون صاروخ، لذلك لا تتجرأ إسرائيل على مهاجمتها أو العدوان عليها، بل يقولون: إن العرب ضعفاء، وليس لديهم القدرة على التصدي للعدو: في ميدان الحرب كما على طاولة المفاوضات.
عند الحديث عن حزب الله، الذي قاتل دوما بحد مقبول من السلاح، وحد أعلى من الاستعداد الروحي والمعنوي، يعتبر المتحدثون السلاح عنصرا فاعلا يحسب العدو له ألف حساب. ويقولون إنه على حق في تهيبه وخوفه منه، فقد علمته تجاربه أن السلاح بيد مقاتلي الحزب عنصر فاعل حسب حسابه، وأنه ليس فقط زينة لهم، بل هو كذلك أداة قتل تصيب وتدمر ماديا ومعنويا، فمن الأفضل تحاشيه.
يمتلك أكثر الجيوش العربية ضعفا عشرة أضعاف ما لدى حزب الله من سلاح. ويمتلك أي جيش عربي من وسائل الدفاع والهجوم ما هو أكثر تنوعا وتكاملا مما لدى الحزب. مع ذلك. … ماذا فعلت أسلحة الجيوش، وكثير منها معادل لسلاح إسرائيل أو متفوق عليه؟. لماذا استمرت كل حرب أياما قليلة فقط، قبل أن يحدث ما يعرفه كل عربي وما يجعل الناس لا يذكرون سلاح الدول، ويؤمنون بقوة تجربتهم الملموسة أن القصة ليست قصة سلاح وصواريخ، بل قصة إيمان صادق يصنع قلوبا حديدية.
لا مجال، أيضا، لمقارنة ما لدى حزب الله من أسلحة بما لدى العدو. لا يمتلك حزب الله سلاحا جويا أو مدرعا أو بحريا أو وحدات محمولة جوا أو بحرا، أو جيشا بريا. إنه يملك مقاتلين وحسب، ويستخدم أسلحة خفيفة مما يستعمله جندي مشاة واحد أو عدد قليل من المقاتلين، كمدافع الهاون والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات والبنادق الفردية. مع ذلك، نجح مقاتلوه في الحد من تأثير الطيران عليهم، ودمروا مرابض مدفعية ثقيلة بمدافعهم الخفيفة وصواريخهم المحمولة، وأصابوا قطعة بحرية ذات قدرات تقنية ونارية جدية، وأقاموا مجازر حقيقية لدبابات الميركافا، التي قيل إنها عصية على التدمير بأي سلاح، بينما واجهوا وحدات النخبة من جيش العدو بمعارك ضارية خاضها ضدهم عدد محدود من المقاتلين، نجح في صدهم وردهم عن قراه ومواقعه العسكرية، وألحق بهم خسائر كبيرة.
لم تحسم أسلحة العدو حربه أو معركته ضد الحزب، رغم أنه استهدف عددا محدودا من الرجال ومناطق جغرافية صغيرة نسبيا، واستخدمها بإفراط، كما قال ضباط أمريكيون كبار. أما السبب، فهو معنوي / فكري أساسا، فقد استخدم مقاتلو الحزب أساليب قتالية متفوقة على أساليب العدو، تتفق مع ما في أيديهم من سلاح استخدموه ببراعة وإتقان. في حين أحاطوا الخطط والأساليب والأسلحة بحاضنة معنوية / روحية، فردية / شخصية ومجتمعية، جعلت منهم أصحاب حق وقضية يواجهون جنديا صهيونيا مشحونا بالعنصرية، فهزموه رغم تفوقه في السلاح، وتمكنوا من هزيمته في كل مرة قاتلوه. ليست القضية إذن قضية صواريخ ومدافع. هناك حد أدنى من السلاح يجب توفره، فإن حمله أصحاب قضية وطنية وإنسانية وأتقنوا استخدامه، وكانت لديهم خطط ملائمة، ضمنوا النصر، حتى على قوة تفوقهم عددا وعدة، لكنها بلا روح. ولعله ليس أمرا قليل الأهمية أن بعض قادة الجيش الإسرائيلي اعترفوا بوجود نوع من الندية بين قواتهم وقوات الحزب، بينما اعترف بعضهم الآخر بتفوقه الميداني، وعزوه إلى الجانب المعنوي الروحي: الخطط والإيمان، ولم ينسبوه إلى السلاح، مع أن هذا روع صهاينة فلسطين المحتلة كما لم يسبق لأي شيء آخر لدى العرب أن روعهم، فغادر مئات الآلاف منهم بيوتهم، أو ذهبوا إلى الخارج.
ليست القضية قضية سلاح، فهو متوفر لدى العرب أكثر بكثير مما هو متوفر لدى عدوهم. إنها قضية اقتناع بضرورة وشرعية القتال، وقضية استعداد له، ورغبة في التضحية والفداء، وإيمان بالوطن وبالنفس، ورفض للذل، والوعي بأنه يكون بالقطع شخصيا أيضا، إن كان وطنيا أو قوميا وعاما.
إن القليل من السلاح لا يحول دون تحقيق انتصارات، والكثير منه قد لا يحقق غير الهزائم، إذا لم ينضو في إطار يجعله يتكامل مع خطط صحيحة وإيمان يشحن من يستخدمونه بروحية تؤهلهم للجود بأنفسهم من أجل حرية وكرامة وطنهم وشعبهم وأمتهم، التي هي حريتهم وكرامتهم الشخصية أيضا.
هنا مربط الفرس، وهذه نقطة الضعف، التي تثلم السلاح وتحوله إلى كتل حديدية لا نفع فيها. يملك مقاتل حزب الله تفوقا معنويا/ روحيا هو سر انتصاراته، فضلا عن أنه ليس مشغولا بالجري وراء منافعه الشخصية وملذاته. إنه يقوم بواجبه بتواضع ونكران ذات، ويقاتل دفاعا عن الحياة، فإن تطلب الأمر حماها بطلب الشهادة، واندفع إلى لقاء عدوه دون تردد أو خوف. إن قوته في روحه، والإنسان الحقيقي يعيش من روحه، بينما تعيش البهائم بلا روح، بلا قيم، على العلف وحده!.
لولا حزب الله، بسلاح مقاتلي القليل نسبيا وروحهم التي بلا سقف أو حدود، لما كان بوسع أحد في المشرق العربي النوم مطمئنا إلى أن العدو لن يحتل في الليل بيته أو قريته أو مدينته!.

‘ كاتب وسياسي من سورية
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى