هل ماتت الديمقراطية العربية؟
سعد محيو
هل طُوِيت صفحة الديمقراطية في المنطقة العربية، بعد أن تلقت ضربة مُدوّخة على الرأس؟
هذا السؤال القلق، الذي كان محور ندوة بحثية مصغّرة ومُغلقة عُقدت في بيروت مؤخراً، كاد أن يحظى بإجابة جماعية واحدة: أجل . صرْح المشروع الديمقراطي في الشرق الأوسط العربي تَدَاعَى حجراً بعد حجر ولبنة بعد لبنة،بعد أن شعرت الحكومات العربية بأنه سحب من بورصة التداول الدولي . وهذا ما دفعها إلى استئناف ما انقطع من ممارسات سلطوية، وانغلاقية، وإقصائية .
هل هذه المحصلة صحيحة؟ ربما تكون كذلك على الصعيد الرسمي العربي . فالعديد من البلدان التي كانت تشهد إما ربيعاً ديمقراطياً في مجتمعاتها المدنية (سوريا واليمن) أو إصلاحات من فوق- إلى تحت (مصر والجزائر وتونس) أو تجارب “ديمقراطية انتخابية” مباشرة (العراق وفلسطين ولبنان)، شهدت تراجعات أو حتى انتكاسات في مجالات الحريات العامة، وحقوق الإنسان، والتعددية الحزبية الحقيقية .
وقد ترافق ذلك مع أزمات اقتصادية عاتية غير مؤاتية للتغيير الديمقراطي (الذي يحتاج إلى طبقة وسطى نابضة وقوية)، أو مع تشظّي اجتماعي إلى طوائف وقبائل وعشائر . (وهذا بدوره عقبة كأداء أمام النمو الديمقراطي) .
بيد أن هذه الصورة الصحيحة على المستوى الرسمي، قد لاتكون كذلك على المستوى الشعبي . وهذا يتأكد حين نقارب المسألة من زاوية المناخات العامة التي تسود المنطقة هذه الأيام . إذ سنكتشف سريعاً أن الخيار الديمقراطي بات بالفعل هو “المزاج” الجديد لدى الشعوب العربية، بوصفه الترياق الوحيد للعديد من المشكلات والانسدادات .
الأمر هنا أشبه بجنين بدأ يتحرك ببطء في بطن أمه مُعلناً بدء انتقاله من “القوة إلى الفعل” (وفق تعبير فلاسفة الإسلام)، أو بفكرة جديدة بدأت تشق طريقها في مجتمع فقد فيه ناسه الثقة بكل الأفكار القديمة فحظيت هذه باستقبال حار .
آثارُ أقدام هذه الولادة مُبعثرة في كل مكان: في برامج معظم، إن لم يكن كل، الأحزاب والمنظمات السياسية العربية التي باتت تضع التغيير الديمقراطي على رأس أولوياتها . في الأفلام السينمائية والمسرحيات التي لايكاد يخلو واحد منها من تركيز أو إشارات إلى رفض الحكم الأتوقراطي (الفردي) . في الحوارات التلفزيونية، والندوات البحثية، وسلسلة الكتب والدراسات، التي تعرض إلى كل مسائل عملية الانتقال الديمقراطي . وأخيراً، وهنا ربما الأهم، في تحوّل الديمقراطية إلى الأداة الوحيدة لإضفاء الشرعية على الأنظمة، بعد أن وهنت وتراجعت كل الايديولوجيات الشمولية بفعل عجزها عن الوفاء بوعودها في التحرير والتنمية والوحدة .
هذا المزاج الجديد يدشّن الآن مرحلة تاريخية جديدة وحقيقية في الشرق الأوسط العربي .
صحيح أننا لانرى نسخاً عن “الموجة الثالثة” من الديمقراطية التي اجتاحت أوروبا الشرقية غداة نهاية الحرب الباردة وأوروبا الوسطى وأمريكا اللاتينية خلال العقدين الماضيين، لكن المزاج العربي الجديد بدأ يُمهّد لتطورين اثنين:
الأول، انتصار وجهة نظر مدرسة الانتقال الديمقراطي التي ترى الديمقراطية على أنها “عملية” مستمرة (process) تحتاج إلى وقت واختمار، وليست حدثاً (event) يحدث مرة واحدة عبر إجراء الانتخابات .
والثاني، قرب بروز مايسميه علماء السياسة “الأنموذج” (paradigm) الجديد، الذي يعتبر الشرط الأول والأساسي للانتقال من الحالة السلطوية إلى الحل الديمقراطي .
الخليج