الاسد والرعاية الامريكية للمفاوضات
ان يطالب الرئيس السوري بشار الاسد الولايات المتحدة الامريكية برعاية مفاوضات بلاده مع اسرائيل فهذا امر منطقي ومفهوم، لان فرص نجاح اي مفاوضات اخري دون رعاية امريكية تبدو ضئيلة للغاية. فبالعودة الي اتفاقات السلام التي وقعها العرب مع الاسرائيليين نجد انها تمت جميعا في ظل العباءة الرسمية الامريكية ابتداء من اتفاقات كامب ديفيد ومرورا باتفاق اوسلو، وانتهاء بمعاهدة وادي عربة مع الجانب الاردني.
ومن هنا فانه لا خلاف علي اهمية الرعاية الامريكية، ولكن الخلاف ربما يكون حول الشروط المطلوبة لتحقيق هذا المطلب، من حيث اقناع الولايات المتحدة باستضافة المفاوضين السوريين والاسرائيليين، او تخصيص مبعوث امريكي للقيام بجولات بين العاصمة السورية والقدس المحتلة للتمهيد لهذه المفاوضات.
امريكا استضافت اتفاقات كامب ديفيد بعد ان قرر الرئيس الراحل محمد انور السادات الذهاب الي القدس المحتلة، ومخاطبة الكنيست، واعرب عن استعداده بانهاء حالة الحرب كليا والتطبيع الكامل مع الدولة العبرية مقابل الانسحاب الاسرائيلي من سيناء. اما الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات فقد تعهد بالاعتراف باسرائيل ونبذ الارهاب ، والتخلي عن الكفاح المسلح والقبول بدولة فلسطينية علي اقل من 22 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، وادت هذه التنازلات الي مباركة واشنطن لاتفاقات اوسلو واقامة حفل لتوقيعها في حديقة البيت الابيض.
السؤال الذي يطرح نفسه هو حول الشروط التي تريدها ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش من الحكومة السورية مقابل رفعها الفيتو الذي تفرضه ضد اي مفاوضات سورية ـ اسرائيلية في الوقت الحالي؟
الشروط الامريكية معروفة، وهي لا تختلف عن الشروط الاسرائيلية، ان لم تكن تتطابق معها بالكامل، اي ابعاد قادة حركتي حماس و الجهاد الاسلامي من دمشق، وقطع كل الصلات مع حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، خاصة حزب الله ، وانهاء التحالف الاستراتيجي مع ايران، والانخراط في عملية تطبيع ساخن مع الجار الاسرائيلي .
التسهيلات التي قدمتها سورية من اجل انجاح اتفاق الدوحة الذي مهد لانتخاب رئيس للبنان ربما تكون خطوة مساعدة لاقناع الولايات المتحدة بحدوث تغيير في الموقف السوري، والشيء نفسه يقال عن الانخراط في مفاوضات غير مباشرة مع الدولة العبرية برعاية تركية، ولكن القبول بالشروط الاخري ربما يكون مكلفا للحكومة السورية، خاصة ان الرعاية الامريكية علي اهميتها ليست دائما مضمونة النجاح.
المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية التي انطلقت باشراف مباشر من السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية علي اساس تعهد واضح من الرئيس جورج بوش بقيام دولة فلسطينية قبل نهاية هذا العام لم تحقق اي تقدم، وما زالت تصطدم بالعقبات الاسرائيلية الكبري، والتي آخرها ما اعلنه ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي بان القدس المحتلة ستظل العاصمة الاسرائيلية الموحدة الي الابد، واعطاؤه الضوء الاخضر لبناء تسعمئة وحدة سكنية في مستوطنة ابو غنيم المجاورة لها.
يصعب علينا ان نفهم الاشارات السورية المتضاربة خاصة ان بعضها يحتوي علي تناقض مكشوف، مثل قول صحيفة الثورة السورية الرسمية امس انه لا تناقض بين الانخراط في السلام ومساندة المقاومة. ومع ذلك يظل من السابق لاوانه اطلاق احكام مسبقة علي طبيعة هذه المرونة السورية تجاه الولايات المتحدة واسرائيل، قبل معرفة المزيد من التفاصيل وهي متوقعة لا محالة، وفي اي لحظة، لان هناك تسرعا في الجلوس الي طاولة المفاوضات من الجانبين السوري والاسرائيلي معا
القدس العربي