النظام السوري …ممانعة على خطى “السادات”
د.نصر حس
ما يجري في سورية من لعبة كارثية بين نظام متهالك فقد كل دلالاته الوطنية والقومية والسياسية والإنسانية يسنده ميليشيات متعددة الوجوه والأقنعة والأدوار, وكتبة منافقين مطبلين مزمرين ومتطرفين أصوليين يشكلون الوجه الحقيقي والدور الفعلي له ,نظام ألغى الدولة والمجتمع وأوهن الروابط الوطنية والاجتماعية , وأوقف التنمية البشرية ونهب الثروة وأشاع الفساد , وأفرغ كل الشعارات الوطنية وبهدلها في حراب القمع والعنف والتطرف والمساومات الإقليمية والدولية , نظام انطلق من مشروع قومي وحدوي ليصل إلى الكنيست الإسرائيلي ومشاريع الطوائف والمذاهب والتخلف والفقر والجوع , نظام بهذا الوصف هل هو قابل للحوار أو المصالحة أو المشاركة أو التوبة أو الإقرار بالديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان , ناهيكم عن حمل المسؤولية الوطنية ؟!.
وهل سمحت مسيرته السابقة مع مشاركيها بالوصول لشيء سوى تكبير مستنقع التخاذل وتعميم سياسة القمع وتكريس حالة العجز والممانعة الغوغائية ؟! وعندما ينهار بعض المثقفون وينسى دوره ويقمع ضميره ويصطف في طابوره ويهذي تجاوباً مع خطابه المهين , وبعضهم الآخر يتلطى بظل أطراف ذات أقنعة “معارضة” هي الوجه الآخر للمشهد , أطراف حائرة خائرة تقلصت لديها أبعاد الصورة الوطنية لتتطابق مع الذات والفردية الأنانية وغاب عنها بؤس الواقع السياسي والوطني والثقافي والإنساني ,عندها تقترب الحالة من حافة الانهيار بل هي الانهيار عينه , وعندما تزيف الحقائق بصخب رثاثة ثقافة الممانعة والاستسلام التي تطغى على الحياة السياسية في ثنائي ” الحرب والسلام “ , هباب متهالك يغطي التزييف ويبرر التزليف ويشرعن اللف والدوران , فماالذي دفع نظام كالنظام السوري الذي أقام الدنيا وأقعدها بمقولات التحرير والمقاومة والممانعة إلى اللقاء العلني مع إسرائيل؟! أهو استمرار بيع التاريخ وتأجير الجغرافيا وتجويع وقمع العباد تحت هذا الخطاب الممانع المشروخ ؟! وماالذي يدفع المثقفين السوريين والعرب إلى تغطية عورة النظام ومن معه , عندما يخلط الاستسلام مع الممانعة ويفتخرون بمنجزاته الكارثية في سورية والعراق وفلسطين ولبنان ؟! أهو إدمان ممارسة التشويه والفساد والمتعة الذاتية ؟!أم ماذا ؟!.
والحال كذلك بما نحن فيه من دوامة الانهيارات الكارثية التي أحدثتها نكبة الخامس من حزيران 1967 وماظهر به النظام السوري من حرص على تحرير فلسطين ! ومانتج عنها من احتلال الأرض الوطنية وخسارة الحرب وانهيار وكسر الإرادة الوطنية والقومية ! وبقاء النظام السوري نفسه الذي أضاع الجولان, وعلى مدى أربعين عاماً يردد هذيان الصمود والممانعة وأوصل إسرائيل إلى أن تكون أقوى دولة في المنطقة وأكثرها قدرة ًعلى التحكم في مفاصلها حرباً وسلماً وتكسيراً لأواصرها التاريخية والجغرافية والاجتماعية, وتفتيتها إلى محميات طائفية متطرفة لاتقبل العيش سوى مع أصوليتها المذهبية والسياسية , والنظام السوري لازال يهذي بالمقاومة والممانعة وهو يلملم نفسه ويحزم حقائبه ويستعد للسفر إلى الكنيست الإسرائيلي ! .
أي ممانعة هذي ؟! وأي نظام هذا ؟! وأي مثقفين انحدروا تحت قسوة الظروف إلى القاع ؟!, ,وأصبحت أقلامهم مغمسة بالعار والانهيار خوفاً من الجلاد أو تآلفاً مع أرباب الفساد ؟! فالممانعة لدى النظام السوري حرباء متعددة الألوان حسب المصالح الذاتية التي تخدمه وتطيل بقاؤه في السلطة , في حين أن الممانعة بدلالاتها اللغوية والسياسية والوطنية هي هروب وامتناع عن المواجهة , هي مرتبة متدنية عن إرادة المواجهة وأقرب ماتكون إلى حالة الاستسلام , والنظام السوري الخاسر في الحرب والسلم والتنمية اضطر تحت ضغط الاستمرار الذي يفتقر إلى أدنى الشروط الوطنية , إلى اتخاذ موقف اضطراري بين المواجهة والاستسلام مراوغةً ومراوحةً فيه بماهو واقعاً يمثل هزيمة دائمة ,إنه في حقيقته سلوك تراجعي ارتدادي عن الممانعة ,بدأ في نكبة حزيران 1967 ولازال يستطيل إلى أجل مجهول , معلومه مرتبط بدوره الإقليمي الذي تحدده إسرائيل التي باتت بدورها تبرمج كل شيئ له بالتوليف والتغليف ,وهو يدري ويدعي ويقاوم ويمانع خلال عشرات السنين على خطى ” أنور السادات ” الذي توجها بالذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي ! .
هل انهار مركز القرار والفعل السوري والعربي ,وانتقل من القلوب النابضة والثوار ومعارك التحرير وأحلام الوحدة إلى كوريدورات لعبة الأمم ؟! أسقطتم خيارات الحرب والسلام وسقطتم فيها… ومعها سقطت كل الأقنعة الزائفة… ؟!.
في ظل هذا الفشل الوطني الذي أنتجه النظام السوري وماأفرز من خواء سياسي وتخريب مؤسسي وفساد ممنهج وتدهور معيشي وتدني أخلاقي وإنساني , يفرض الحديث نفسه على مستوى النظام والمعارضة والمثقفين , الحديث الذي يؤشر أن نقطة البداية هي التي تحدد النهاية ومابعدها , ونقطة بداية النظام السوري هو اغتصاب السلطة واحتلال الدولة ,نتج عنه مباشرةً احتلال الجولان واغتصاب حقوق الشعب وحياته وكرامته والعجز كتحصيل حاصل , وفي صدى الهزيمة وإزاحة آثار العدوان كان التلطي خلف شعارات كاذبة بعيدة كل البعد عن الهدف الوطني وآمال الشعب ومصالحه , ويدرك النظام السوري ولافرق بين قديمه وجديده , فالحالي هو امتداد فعلي لسابقه , هذا النظام الذي جعل من نكبة حزيران مفرخة للشعارات المخادعة وهو يضمر انهاء حالة الحرب بالمطلق وتجميد حالة الصراع مع إسرائيل وكسر أواصر الدولة وإلغائها والروابط الأهلية والاجتماعية وخنق المسار الديمقراطي المدني وإرجاع المنطقة إلى العصبيات والتفكك والضعف في سياسة مبرمجة من القمع والتجويع وسلب الكرامة , وجد ضالته في الممانعة وطرحها على مستوى الحياة العامة في سورية ومحيطها وهو يريد تجميد أوضاع المنطقة كلها على خلفية بقاؤه في السلطة كثمن لدوره على مستوى المنطقة , فتجميد الصراع لأكثر من أربعين عاماً هو ليس استعداداً لتحرير الأرض والكرامة بقدر ماكان شماعة يخفي وراءها ترتيب وضعه الداخلي عبر القمع والاستبداد ومصادرة القرار والحريات كغطاء للسيطرة على الشعب وتوهين موقفه وتغييب دوره , فالممانعة لديه هي مفتاح الاستبداد والسيطرة على السلطة ونهب الثروة والفساد الذي طال كل شيء.
أخيراً , يشي المشهد الحالي أن الكثير وقع في فخ الاستبداد وتبنى موقفه ودافع عنه وبرر له استدارته إلى الداخل الاجتماعي السوري والعربي لتعويم مفهوم السيادة الوطنية على مستوى الداخل والخارج وإزاحة الصراع من المواجهة إلى الممانعة , ففي حين أن مسار الأولى له طريقان الأول هو المجابهة على خلفية الاستعداد والحسابات الوطنية وتعزيز موازين القوى المادية وإشراك الشعب وتحصين الجبهة الداخلية , والثاني هو الاستسلام المبني على حسابات فردية هدفها السلطة ومارافقه من قمع الشعب وتهميشه , اختار النظام السوري الطريق الثاني وارتكب في طريقه من الجرائم بحق المدنيين مايندى له الجبين على مستوى سورية وخارجها دون أدنى اعتبار للكرامة الإنسانية وتماسك الشعب الداخلي واستقراره …وانحدر الآن إلى أسفل السافلين .
هنا يفرض الكلام الصريح نفسه , أين دورالمثقفين مما جرى ويجري في سورية ومحيطها ؟!. يبدو أن الحال من بعضه ..!. والنظام أرخى نكباته على الجميع ففقدوا الرؤية في ضبابية المشهد المستمرة منذ عشرات السنين , قسم غيبه النظام عن الحياة والسياسة والمجتمع , وقسم حيده عن الصراع وبقي على الهامش وقسم انخرط مع النظام في كل موبقاته الوطنية والإنسانية , ورهط يميل بين النظام والمعارضة مستسلماً لرياح النفس الأمارة بالسوء ! فإذا كان خيار النظام السوري السياسي فاشلاً وكارثياً على المستوى الوطني والقومي ! أين دور المثقفين في فرض الخيار الثقافي ؟!, رغم أن خيار المواجهة في الظروف الراهنة وضمن موازين القوى المادية الحالية غير ممكن بل كارثي , فهل بات تبرير القمع والاستسلام هو الخيار الوحيد الباقي وعلى المثقفين أياً كانوا أن ينخرطوا فيه قبل فوات الآوان ؟!.
فالاستسلام ليس خياراً , بل برهاناً عملياً مباشراً أن النظام غير مؤهلاً لحمل المسؤولية الوطنية من جهة , وهو ضالته يريده ويسعى إليه من جهة أخرى , الاستسلام هو نهج كامل سارعليه وترجمه بجملة السياسات والخيارات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي سلكها النظام وأوصلت سورية إلى هذا الحضيض!.
الكارثة عينها هي استمرار النظام ومعه بعض أطر المعارضة والثقافة مستسلمين أمام تضخم المتعة الذاتية ومتلبسين بوقاحة فيها ..هنا يتسرطن الدور وتتعزز المكابرة وتتكرر المقامرة بما بقي من الأرض والعرض والكرامة الوطنية والإنسانية , واستمرار لعبة الترميز والتضمين والتحميل للمصالح الأنانية على أهداف نبيلة وطنية ديمقراطية طويلة عريضة… ! أهو الغيَ في التطاول واستمرار تمويه وإخفاء العقيرة في إدمان عبادة الذات والمصلحة الشخصية على أشلاء شعب ووطن … .! في اوركسترا درامية ينتجها ويخرجها سلوك النظام المتهافت ومن معه ومن سينضم إلى جوقته الذين يشتركون في دفع سورية إلى الهاوية !, ففي سلوك بعض أطراف “المعارضة والمثقفين ” مايزيد خطراً سلوك النظام ! ذاتيةً … مفارقةً … …صفاقةً …غوغائيةً …انهياراً .. تنسيقاً…أو ركوناً بائساً إلى الذات الأمارة بالسوء … أو بين بين !.
خاص – صفحات سورية –.